شراء الذهب: حسناته وسيّئاته

يجتذب شراء الذهب فطرياً الكثير من المستثمرين إذ يرى فيه الكثيرون سلعة آمنة تحفظ الثروات. إلّا انّ ذلك يبقى موضع شك عند قسم كبير من الخبراء. هذا رغم توقعات البعض بأن لا يشهد الذهب ارتفاعاً في اسعاره قبل العام 2016 ويُتوقع أن يبلغ 1700 دولار سعر الاونصة. ويوصي أحد كبار خبراء بنك اوف اميركا بأن يقارب أحد التوظيف في الذهب كونه أداة او وسيلة للاستثمار أو التوظيف بحدّ ذاتها.

بل يعتبر هذا الخبير المتخصِّص أنه يجب أن يُنظر الى الذهب فقط كضمان وكأداة للهروب من المخاطر التي قد تنشأ من الاستثمار في العقارات أو الاسهم أو السندات.

أمّا تقليدياً فكان التوظيف في الذهب يُعتبر ضمانة ضدّ ارتفاع نسبة التضخّم التي تجعل الثروات تتآكل في العادة. وهذا الاعتبار ما زال مستمرّاً في الوقت الراهن إذا ما اعتُبر التضخم هو وراء تراجع القدرة الشرائية أو هبوط سعر صرف العملة.

وتبرز جاذبية الذهب خصوصاً بوجهين: الاول في الخوف من حدوث ما هو غير متوقع والثاني في جاذبية الذهب كسلع أساسية للمجوهرات.
أما الوجه الاوّل والمرتبط بالخوف من المجهول فيعود تقليدياً الى السياسات النقدية والضريبية خصوصاً في الولايات المتحدة الاميركية.

وتحديداً العجز في الموازنات وارتفاع الانفاق مع ابقاء اسعار الفائدة قريبة من الصفر في المئة، يقود الى الفائدة السلبية وحيث تكون الفائدة السلبية يرتفع سعر الذهب بالعملة الوطنية (الفائدة السلبية تنتج عن انفاق اكبر مع اسعار فائدة قريبة من الصفر).

أما اذا تجاوز سعر الفائدة بنسبة التضخم فهذا يقود الى تراجع في اسعار الذهب أمّا في الماضي فجاء ارتفاع الذهب نتيجة الخوف من المجهول والذي تمثّل بالخوف من ضعف سعر صرف الدولار، ونتيجة الخوف من غير المتوقع وهو دخول مختلف دول العالم اقتصادياً في أزمات مالية كارثية جديدة.

وبالنسبة للوجه الآخر وهو الانجذاب للذهب والمجوهرات فإنه ارتبط بارتفاع الطلب في الصين على الذهب كأداة للزينة وكذلك في الهند وأسواق ناشئة أخرى هو أداة تقليدية رمزية.

وتُظهر الدراسات انّ 50 في المئة من البشرية يتمسكون بالذهب كأداة تعبير عن الحب والرومنسية وكهدية رئيسة في الاحتفالات بالمناسبات العائلية والاجتماعية ويتجاوز حجم الطلب على الذهب في كلّ من الصين والهند نصف حجم الطلب العالمي على مختلف المستويات (سبائك ذهبية او قطع نقدية ذهبية او مجوهرات...) وفي العام 2014 تقدّمت الصين على الهند في قيادة الاستهلاك العالمي من الذهب وتشهد الدولتان المذكورتان نمواً متواصلاً لسوق المجوهرات الذهبية. غير أنه وعلى المستوى العالمي شهد العام 2014 تراجعاً في الطلب على الذهب مقارنة مع العام 2013.

وتكمن المخاطر في اعتبار الذهب أداة للاستثمار بحدّ ذاتها في النسبة المرتفعة لتقلّبات الاسعار والتي تصل الى 15 في المئة سنوياً صعوداً أو هبوطاً ويأتي هذا نتيجة تحرّكات المضاربين والمتداولين وقد تتجاوز نسبة التقلبات في الاسعار النسبة المذكورة سابقاً الى حدّ كبير جداً. ويعود ذلك ايضاً الى توجّهات البنوك المركزية اكانت نحو الشراء او البيع. ويوصي الخبراء بأن يتعامل الافراد مع الذهب كما تفعل البنوك المركزية.

فإذا تحسّن النموّ الاقتصادي في الدول التي تشهد عادة نسبة ادخار كبيرة فإنّ أسعار الذهب سوف ترتفع ويتّجه المدخرون الى التوظيف بأدوات غير الدولار الاميركي مثل الذهب. (حالياً النموّ الاقتصادي ضعيف جداً في اليابان وهي إحدى الدول التي تسجّل أكبرنسبة ادخار في العالم),

ويقدِّر الخبراء نسبة التوظيف بالذهب التي يجب اختيارها هي عند 10 في المئة من حجم الثروة المتوفرة عند المستثمرين الاكثر هجوماً ومخاطرة وعلى العموم يوصي الخبراء بعدم الاعتماد على أداة توظيف واحدة بل اعتماد التنويع دائماً.

وعلى رغم إبهار الذهب البشرية على مدى 5000 عام إلّا أنه فعلياً وبحسب الاحصاءات التاريخية لم يكن يوماً ضمانة للثروات، حيث إن دخول العملة الورقية وبعدها مختلف انواع العملات سرق الكثير من دور الذهب إذ إنّ الزمن المعاصر يتطلّب عملات أكثر مرونة من الذهب في عالم مركَّب ومعقَّد على مستوى النظام المالي، والذهب لم يعد الملك على رغم أنّ المقولة التاريخية هي في اللجوء الى الذهب عندما تُفقد الثقة بالحكومات.

وتبقى امام الذهب أوقات صعبة حيث لم يتراجع الكثيرون عن توقّع هبوطه بقوة غير أنّ البعض حدّد الفترة ما بين حزيران وتشرين الثاني 2016 لصعود الذهب مجدّداً الى 1700 دولار للاونصة.

(المصدر: الجمهورية اللبنانية 2015-03-02)