أموالنا تستخدم لتعليم أبناء الصفوة!
هل سمعتم عن صندوق تطوير التعليم؟ هل سمعتم عن مدارس النيل الدولية التى يمولها صندوق تطوير التعليم؟ الحكاية أن حكومة نظيف، أيام مبارك، استصدرت قرارا بإنشاء صندوق تطوير التعليم، ليكون مسئولا عن إيجاد تعليم حكومى مواز لأبناء الصفوة. الفكرة التى يقوم عليها الصندوق بسيطة، وتمثل تكرارا لما دأبت عليه حكومة نظيف ومجموعة لجنة السياسات فى مواجهة مشكلات المجتمع المستعصية. ترك النظام المتردى على ما هو عليه،
وإيجاد نظام جديد مواز هو الذى يتم تعهده بالرعاية. اتبع هذا النظام فى عديد من الوزارات والأجهزة الحكومية. يستمر الجهاز الحكومى يعمل كما هو ويتم تكوين مجموعة محدودة من «المستشارين» يعمل معهم الوزير ويحصلون على مكافآتهم المالية الضخمة من أموال المساعدات الدولية المحسوبة على الشعب المصرى كله. وفقا لنفس هذه الآلية تمثلت الرؤية التى تبنتها حكومة نظيف ولجنة سياسات جمال مبارك للتعليم الحكومي، فى ترك النظام القائم كما هو بعيوبه ومشكلاته، وإيجاد تعليم حكومى مواز تحظى فيه أعداد قليلة من أبناء الصفوة بتعليم حقيقى يتميز بالجودة ويؤهلهم لدخول سوق العمل والحصول على الوظائف المرموقة.
الهروب من صداع ومعركة الثانوية العامة كان قد أدى منذ عقود إلى إيجاد باب خلفى لأبناء علية القوم، يتمثل فى شهادات أجنبية معادلة، أشهرها شهادة ال.IG الحصول على هذه الشهادات يتطلب الالتحاق ببرامج دراسية أجنبية وامتحانات معدة فى الخارج ويتحمل فيها الأهل تكلفة مرتفعة، إلا أن الأبناء يحصلون عادة فى نهاية تلك البرامج على الدرجات التى تؤهلهم لدخول الكليات التى يريدون، كما يحصلون على درجات أعلى من الاحترام والوجاهة الاجتماعية، خاصة لو اكتملت المسيرة بالالتحاق بواحدة من الجامعات الأجنبية العديدة التى صارت تعمل على أرض مصر.
نظام مبارك قرر توفير الدعم لهذا النوع من التعليم لأبناء الصفوة والذى صارت تتطلع إليه أيضا الشريحة العليا من الطبقة المتوسطة. فلتكن هناك مدارس تعطى هذه الشهادات المعترف بها دوليا، ولتوفرها الدولة بتكلفة مدعومة تتحملها الموازنة العامة.
وهكذا تم تأسيس صندوق تطوير التعليم بموجب القرار الجمهورى رقم 290 لسنة 2004، ككيان مستقل يتبع رئاسة مجلس الوزراء، يتولى «تقديم المساعدة للمشروعات التى تسهم فى برامج تطوير التعليم فى مستوياته المختلفة بالتعاون مع مختلف أجهزة الدولة والمنظمات المحلية واٌلإقليمية، لمساعدة الدولة على مواجهة تحديات سوق العمل وتوفير احتياجاته من المهارات والكفاءات البشرية».
البيانات المتاحة عن صندوق تطوير التعليم تشير إلى أنه يحصل على التمويل اللازم لنشاطه من الموازنة العامة للدولة، ولكن بعيدا عن موازنة كل من وزارتى التربية والتعليم، والتعليم العالي. أى أن له «موازنة على جنب» بعيدا عن التعقيدات البيروقراطية للوزارتين المذكورتين. بالعربى الفصيح الموازنة العامة للدولة التى تحصل على مواردها أساسا من الضرائب على قناة السويس وقطاع البترول والفوائض المحولة منهما ومن البنك المركزى المصرى والبنوك والشركات والهيئات العامة وضرائب الأجور، أى الموارد المحصلة من عامة الشعب والمؤسسات المملوكة للشعب، هذه الموارد تستخدم فى تمويل نظام تعليم مواز لأبناء الصفوة .
المشروعات التى قام صندوق تطوير التعليم بتبنيها حتى الآن تتركز فى ثلاثة مشروعات رئيسية تتمثل فى «مجمعات التعليم التكنولوجى المتكاملة» لتوفير التعليم الفنى اللازم لاحتياجات الصناعة، و«مدارس النيل المصرية» لمنح الطلاب شهادة مصرية دولية للتعليم قبل الجامعي، تؤهلهم للالتحاق بالجامعات فى مصر والخارج من خلال مناهج تم إعدادها بالتعاون مع جامعة كامبريدج البريطانية. والمشروع الثالث الذى يتبناه الصندوق يتمثل فى إعادة تأهيل «المدارس التاريخية» وقد تم اختيار مدرسة السعيدية الثانوية ليكون ترميمها باكورة هذا المشروع. أما تطوير التعليم الحكومى العام والفنى الصناعى فى «المدارس الرسمية» وفقا للتعبير الذى يستخدمه الصندوق فيأتى فيما يبدو فى آخر سلم أولوياته.
مدارس النيل تمثل حتى الآن الناتج الملموس لصندوق تطوير التعليم. المديرة المسئولة عن تلك المدارس تؤكد أنها أفضل من المدارس الانترناشيونال التى يدفع فيها علية القوم دم قلوبهم بينما تقدم هى تعليما أفضل وبتكاليف مدعومة من الدولة. أما التصريحات الحكومية فتقول إن تلك المدارس الحكومية تمثل نموذجا رائدا فى التعليم ما قبل الجامعي، وأنها تتميز بمنظومة تعليمية تتكامل فيها المناهج المرنة مع التنمية المهنية للمعلمين، والقيادات التربوية الرشيدة، وأساليب التقييم الحديثة، والنظم التكنولوجية المتطورة، والتصميمات المتميزة للمبانى التعليمية للمدارس. باختصار الحكومة تؤكد أن مدارس النيل نواة لتطوير منظومة التعليم فى مصر.
رئيس الوزراء شكل لجنة برئاسة وزير التخطيط لتقييم تجربة مدارس النيل وعرض تصور حول مستقبلها. وعلى صعيد آخر تقوم لجنة من البنك الدولى بتقييم تجربة صندوق تطوير التعليم. أما نحن فنقول للحكومة إننا نصدقها فى كل ما تقوله عن مدارس النيل، وأننا نطالب بتعميم التجربة! فإذا كانت الحكومة ترفع شعار توصيل الدعم إلى مستحقيه، فإننا نطالب بتوفير هذا التعليم الحكومى المدعوم للقاعدة العريضة من أبناء الشعب المصرى والذين لا يملكون بالفعل القدرة على مواجهة تكاليفه. نحن نؤيد سياسة ترك المبانى التعليمية المتداعية وغير المجهزة والمنظومة التعليمية التى يندى لها الجبين والتوجه لبناء تعليم حكومى مواز محترم وشهادات معترف بها دوليا، بشرط أن يكون ذلك متاحا لكل أبناء الشعب المصري، وفى كل القرى والنجوع المحرومة من المدارس. ولم لا أليس تعليما حكوميا مدعوما من أموال الشعب؟
(المصدر: الأهرام 2015-03-01)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews