مواجهة إعلام " داعش "
عُقد في اليومين الماضيين اجتماعان دوليان لمواجهة طاعون العصر " تنظيم داعش" وغيره من التنظيمات المتطرفة، الأول في الرياض حيث اجتمع القادة العسكريون للحملة الدولية لمكافحة " داعش"، والثاني في واشنطن حيث اجتمعت ٧٦ دولة ومنظمة لمواجهة هذا التطرف العنيف.
وأحد البنود التي طُرحت في اجتماع واشنطن من أجل محاربة التطرف هو مواجهة دعاية وإعلام " تنظيم داعش " حيث ستكون انطلاقة ذلك من الإمارات العربية المتحدة.
فقد قال أوباما إن “ الولايات المتحدة تشترك مع الإمارات لإنشاء مركز جديد للاتصالات الرقمية مهمته العمل مع رجال الدين وقيادات المجتمع المدني من أجل مواجهة بروباغاندا الإرهاب" .
ويعتمد إعلام داعش اعتماداً كلياً على الاعلام الالكتروني الذي يشكل أحد الأدوات الهامة التي يستخدمها في بث الرهب والقلق منه لدى الجميع.
وإذا عدنا بالزمن إلى الوراء ، مع بداية نشأة الأحزاب الدينية التي بدأت أساساً بهدف الدعوة إلى التمسك بتعاليم الدين والممارسات الأخلاقية السليمة، ثم وبعد تمكينها وبسط سيطرتها يصبح الدين هو الستارة والوسيلة التي تخفي هذه الأحزاب من ورائها أطماعها السياسية ورغبتها في السلطة وممارسة دور القيادة تحت مسمى الخلافة الإسلامية أو غيرها وممارسة الشرائع الدينية وغير ذلك من تسميات .
لقد وعت هذه الأحزاب منذ البداية لدور الإعلام في جذب الناس للانضمام إليها وطرح أفكارها وعقائدها، ومن أساليبها قديما المنشورات والمطبوعات (صحف ومجلات) التي تحمل هذه الأفكار والتوّجهات والتي وزّعت مجاناً في الجامعات بهدف استقطاب جيل الشباب الذي يُعد الفئة الأهم لأنها تضمن لها الاستمرارية والقوة.
وكانت هذه المطبوعات تجد قبولاً لدى غالبية الشباب الذي كان يعاني في ذلك الوقت من وطأة الاحتلال الأجنبي، فوجد من خلال هذه الأحزاب منفذاً للتعبير عن غضبه وحنقه من وجود احتلال متحكم على أرضه، إضافةً إلى الإحساس الذي أعطته لهؤلاء الشباب بأهمية وجوده ودوره في الخلاص من المحتل عن طريق مفهوم (الجهاد) وتقديم التدريب على القتال وتوزيع السلاح.
ثم أصبح اللعب على عقول الشباب أكثر حرفية في عصر الفضائيات بتقديم برامج متخصصة تحت مُسمى الدين ، وهي برامج مدروسة بعناية شديدة هرباً من مقص الرقابة، ويُقدمها ما يدعون أنفسهم " المشايخ " وهم مدربون على الخطابة بأسلوب غير تقليدي ، تعداها الأمر بعد ذلك لظهور محطات متخصصة تبث مادتها ورسائلها على مدار ٢٤ ساعة دون رقيب أو حسيب.
اليوم " تنظيم داعش" متفوق تكنولوجيا، ففي حين كانت " القاعدة" تستخدم في الإعلان عن أعمالها الإرهابية أشرطة صوتية أو أشرطة فيديو غير ذات جودة، فإن داعش يستخدم فيديوهات واضحة مصورة بإتقان وحرفية عالية تُظهر بكل وضوح عمليات قطع الرؤوس أو الحرق أو العمليات التفجيرية وتقدم أقصى درجات العنف الممكنة، وهي تحقق بذلك انتشاراً واسعاً وتستغل الشباب الضعيف فتعطيه الإحساس بالقوة.
في الفيديو الأخير مثلاً عن عملية إعدام " داعش" لعدد من الأقباط المسيحيين على أحد الشواطئ الليبية، وشكل الصورة المُقدمة والإيقاع وتقطيع الحركة والمشهد والأهم الشكل الذي ظهر به الإرهابيون: بالزي الأسود الموحد والطول الضخم المتساوي والمتناسق الذي يميزهم عن الضحايا فيبدون أكثر ضخامة وقوةً، تم تقديم عدد من الرسائل الموجهة: أولها جذب أكبر عدد من المشاهدين ، بث مشاعر الذعر والخوف من حجم تنظيم داعش ومدى انتشاره مما يخلق القلق وينشر الفوضى حول العالم ، بث مشاعر الكراهية والغضب التي توّلد الرغبة بالانتقام والعنف، والأهم استقطاب الشباب الضائع، الفاشل، الضعيف، المقموع، المظلوم، العاطل عن العمل إلخ .... للانضمام إليهم لأن هذه المشاهد تعطي هؤلاء الشباب الإحساس بالقوة والتفوق والسيطرة.
يومياً تُغرق مواقع التواصل الاجتماعي بالفيديوهات المباشرة لمن يسمّون أنفسهم بالمجاهدين فيظهرون وهم يدعون " إخوانهم" للانضمام والالتحاق بالتنظيم الإرهابي والانخراط في صفوفه، إلى جانب الفيديوهات الدعائية الأخرى المليئة بمشاهد دموية مرعبة.
نأمل أن يكون اجتماع واشنطن الذي يدعو إلى مواجهة خطر "إعلام داعش" بالتعاون مع الإمارات العربية المتحدة، هو اللبنة الأولى نحو التصدي لآيديولوجيات العنف والكراهية التي تعمل " داعش" على انتشارها في العالم، ليتم صنع الترياق الخاص بهذا السم الزعاف الذي يمثله هذا التنظيم المتطرف والدموي .
د. فطين البداد
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews