فلسطين في الربيع العربي
الغريب أننا في زمن الربيع العربي لم نر أي تطور في الموقف من فلسطين بل وجدن بعض اطراف الربيع العربي تتجه يمينا ويسارا نحو الكيان الصهيوني.. وكأن الأمر غدا تجميدا للموضوع الفلسطيني وتهميشا له وانشغالا بملفات داخلية وبصيغة علاقات مع القوى الدولية التي أصبح لموقفها الدور الحاسم في نجاح الربيع العربي أو فشله.
وهنا تغتال طموحات الشعوب مرتين؛ مرة عندما وجدت أن حناجرها التي بحت بشعرات الحرية والعدالة الاجتماعية ودماءها التي سفكت في الأزقة والميادين انتهت إلى أوضاع بلا شك هي أكثر سوءا على أكثر من صعيد، بما سبق تحركها وثورتها.. ومرة أخرى عندما وجدت أن قضيتها المركزية ومقدساتها الخاصة أصبحت أكثر بعدا عن التحقيق.. وهكذا نختصر عملية التحليل لنقف على واقع مأساوي تمر به الأمة في أكثر من عاصمة عربية.
ولعلنا نكرر معلوما من السياسة بالضرورة كلما قلنا أن الأمن القومي العربي لن يكون مستقرا إلا عندما تتوفر له جملة شروط؛ أولها بلا شك معالجة الملف الفلسطيني، ووضع حد للاختراق الصهيوني وإنجاز العدالة الاجتماعية في بلدان العرب وتحقيق الاكتفاء الذاتي على صعيد الغذاء والدواء، وهذا لن يتأتى إلا بتعاون عربي يصل إلى حد التكامل والتضامن، وإنجاز قاعدة صناعية توفر على بلاد العرب هدر المال وتخريب ثرواتهم.
فلسطين، لا يمكن أن تكون حاضرة في الخطة العربية والرؤية العربية عندما تتمزق الدولة العربية وتتبعثر الآراء المتناقضة ويصبح القطر العربي مهددا بالانقسام إلى أقطار بعناوين جديدة وتغيب روح المواطنة وتتراجع إلى وراء الماوراء مسألة الوحدة العربية والتعاون العربي والعمل العربي المشترك.. في مثل هذه الحال لا إمكانية لحضور فلسطين على طاولة البحث لدى صناع القرار في البلاد العربية.
أجل، إننا نمر بحالة من الانتكاسة على صعيد انتمائنا الحضاري، وعلى صعيد صراعنا الحضاري، وعلى صعيد قضايانا الجامعة.. نحن هنا في خاتمة مطاف الربيع العربي نكتشف أن الأمنيات والطموح لابد لهما من وعي وقوة وحيطة وحذر كي يصلا الى غايتهما.. وإلا فإنهما يتحولان إلى حسرة وندامة.
إن فلسطين هي الخاسر الأكبر من ما آلت إليه مسيرة الربيع العربي.. ولأن فلسطين هي عنوان كل ملف عربي فإن الشعوب العربية والطموح العربي والأمل العربي هو أيضا الخاسر الأول.. فهل هذا يعني أنه مكتوب على أمتنا الخنوع وغياب العدالة والتخلف؟ بالتأكيد لا، ولكنه يعني بوضوح أن لا نتساوق مع رغبات الغربيين ومشاريعهم ودعاياتهم.. لأن سمهم الزعاف في نصائحهم المنمقة.. فهل نعي الدرس ونتذكر قول ابن باديس "والله لو قالت لي فرنسا قل لا إله إلا الله لن ما قلتها.. تولانا الله برحمته.
(المصدر: الشروق الجزائرية 2015-01-25)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews