تآمر دؤوب لتحويل المحافظات السنية إلى إقطاعيات ومشيخات
في أقل من أسبوعين قتل قائد عسكري إيراني رفيع المستوى، هو العميد مهدي نوروزي، قائد العمليات الخاصة في جبهة سامرّاء، ليلحق برئيسه اللواء حميد تقوي الذي وصفه زعيم ميليشيات بدر هادي العامري، بأنه مجاهد من نوع فريد ولولا وجوده ضمن مقاتلي الحشد الشعبي لكانت حكومة حيدر العبادي قد انتقلت إلى المنفى، والمفارقة أنه يقول هذا الكلام وهو يدرك، سلفاً، أنه هراء القصد منه رفع الروح المعنوية لميليشياته المنهارة التي تتكبّد يوميا خسائر كبيرة لم يسلم منها حتى مستشاره العسكري الأقدم، العريف سابقاً واللواء (الدمج) لاحقاً عباس حسن جبر.
والمفارقة الأخرى في حديث العامري الذي بثت قناته الفضائية “الغدير” لقطات له وهو يضرب رأسه حزناً أو نفاقاً خلال مشاركته في عزاء تقوي بطهران، أنه لم يتطرق إلى مكان أو دولة المنفى التي كان حيدر العبادي ووزراؤه يستقرون فيها؟ وأغلب الظن أنه يقصد طهران.
ولو كان العبادي رجل دولة بحق ورئيس حكومة تحترم ذاتها لجاء بالعامري مخفورا وحاكمه وفق القانون بتهمة التخابر مع دولة أجنبية والدعاية لها والتمجيد بها، ولكن من الواضح أن نَفسَه الطائفي الذي يزعم أنه لا يحمله، منعه من ردع واحد من مذهبه جاهر بعمالته على رؤوس الأشهاد.
لقد أثبتت تجربة الحشد الشعبي فشلها في مواجهة مسلّحي تنظيم الدولة الإسلامية بعد سلسلة هزائم منيت بها على أكثر من جبهة، وخاصة في محاور الضلوعية وبلد وسامرّاء وحوض حمرين وسد العظيم وبيجي وتكريت، ولم ينجح القادة والمستشارون العسكريون الإيرانيون في تعويض خسائره، ولم تعد أسلحة حرس خميني وفيلق قدس تنفع في صد هجمات أصحاب اللحى الطويلة والدشاديش القصيرة الذين يندفعون كالبرق تحت شعار “يا قاتل يا مقتول”، والقصص في هذا الصدد كثيرة يعرفها العامري وأبو مهدي المهندس، وتصل أخبارها إلى بغداد والنجف وطهران وواشنطن، ويتم تجاهلها وعدم الإشارة إليها لاعتبارات باتت معروفة.
وقبل أيام تم تشييع 120 عنصرا من الحشد في الضلوعية باستخفاف، وكانوا قد لقوا حتفهم بتفجير أربع سيارات مفخخة داهمت ثكنتهم من جهاتها الأربع، حتى أن أحد قادة كتائب حزب الله ويدعى عباس المحمداوي ناشد المرجعية بالتدخل وحماية الحشد من المصير الذي ينتظره في ظل جهل وفساد و”فضائيين” في صفوفه.
وممّا فاقم من هزائم الحشد الشيعي في قواطع العمليات أن عناصره جاءت من جيش العاطلين طلبا للمعاش، وأغلبهم يفتقر إلى الكفاءة القتالية وعدم الخبرة في حرب الشوارع والمدن، إضافة إلى أن القتال يجري في بيئة غريبة عليهم دُفعوا إليها تحت وطأة البطالة من الناصرية والعمارة والنجف والكوت وغيرها إلى المناطق الملتهبة، ومن المحزن أن النائب قاسم الأعرجي اشتكى مؤخرا ليس من زج هؤلاء في معارك عبثية بعيدة عن مدنهم ومناطقهم، بل إن شكواه اقتصرت على ارتفاع أجرة الحافلات وسيارات النقل التي تقل مجاميع الحشد من مدن الجنوب إلى ديالى وبلد وسامراء وكركوك والفلوجة، مطالبا وزارة النقل بتحمّل كلفة إيصالهم من مدنهم إلى ساحات القتال، ولها الأجر والثواب.
إن عشوائية الحشد الشيعي وانتهاكات أفراده في المناطق التي ينتشرون فيها، وعمليات “الفرهود” التي يقومون بها، أدت إلى نتائج وخيمة كان الرابح الوحيد فيها تنظيم الدولة الإسلامية الذي بدأ يحظى بتعاطف شعبي واسع في كثير من المحـافظات والمنـاطق السنيّة، حتى أن مصادر حكومية في كركوك أعلنت، قبل يومين، عن استقطاب التنظيم لآلاف اليافعين والشباب في شمال وغرب وجنوب المحافظة، بحيث لم يعد لها من منفذ سالك غير طريق “جمجمال – السليمانية”، في وقت يعترف فيه مجلس محافظة صلاح الدين بأن مسلحي التنظيم عادوا وحاصروا مصفى بيجي الإستراتيجي مجددا بعد فرار قوات الحشد والحكومة منه في أعقاب معارك ضارية أصيب خلالها قائد عمليات المحافظة المعيّن مؤخرا اللواء عبدالوهاب الساعدي الذي أحيطت إصابته بسرية بالغة، لولا الصور التي نشرها نائب رئيس مجلس النواب همام حمودي وهو يزوره في المستشفى ويتفقّد حالته الصحية.
لقد بات واضحا أن المرجعية الشيعية وحكومة حيدر العبادي وأميركا وإيران تعرف جيدا أن وجود الحشد الشيعي في مناطق التماس مع “داعش” هو في صالح الأخيرة، وصار مؤكداً أن هذه الأطراف الأربعة لا يهمها أن يقتل الآلاف من فقراء الشيعة سيقوا، أو يساقون، إلى الموت بإغراء الراتب أو بحجة الدفاع عن المذهب، مما يعزز القناعة بأن هناك مؤامرة يشترك فيها هذا الرباعي اللئيم إلى جانب سياسيين وشيوخ (نصف كم) من السنة لتمكين تنظيم الدولة الإسلامية من احتلال محافظات الأنبار وصلاح الدين والموصل بالكامل، وأجزاء من محافظة كركوك، واستثناء محافظة ديالى لأسباب إستراتيجية باعتبارها مجاورة لإيران، ويسبق هذا الاحتلال انسحاب وحدات الحشد والقوات الحكومية تحت ذريعة الاندحار أو الانتصار (لا فرق) ليُصار إلى تشكيل جيش سني تعداده مئة ألف كما اقترحت واشنطن، يتولّى محاربة داعش وتحرير المحافظات والمناطق المحتلة من قبضتها، وهذا يعني، ببساطة، خراب هذه المحافظات وتدميرها وشطبها من خريطة العراق، لأن هذا الجيش الموعود لا يستطيع تحرير قرية من عشرة بيوت.
إنها مؤامرة كبرى تستهدف تصفية السنة العرب في العراق وتحويل محافظاتهم إلى مناطق يحتل أغلبها أبوبكر البغدادي، وتقوم في أجزاء منها ضيعات إقطاعية نجيفية وياورية وجبورية وريشاوية وحلبوسية وعيساوية وكربولية، وتسميات أخرى هزيلة تحتمي بهذه الجهة الأجنبية أو تلك، ويستمر التقاتل مع “داعش” أو في ما بينها، ولا يهم أن يتشرد أكثر السنة ويصبحون نازحين ولاجئين لعشر أو عشرين سنة قادمة، وبعدها يُنسوْن أو ينقرضون. إنها جريمة إبادة جماعية، ولكن من يقرأ… ومن يسمع؟
(الصمدر: العرب 2015-01-15)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews