لأول مرة في تاريخ العلاقات السورية اللبنانية

تلقى السوريون ليلة رأس السنة الميلادية الجديدة هدية باهظة الثمن من " المديرية العامة للأمن اللبناني" عندما أعلنت في بيانٍ لها عن وضع تعليمات جديدة تنظم دخول السوريين إلى لبنان والإقامة فيه، وبموجب هذه التعليمات أصبح السوريون يحتاجون إلى " فيز" تحدد فترة إقامتهم وغرضها في لبنان، وفق شروط محددة ووثائق بعينها ، ليلحق لبنان - بذلك - دولا عربية كثيرة لا تسمح بدخول أي عربي إليها إلا وفق شروط شبيهة .

ولا نبالغ إذا قلنا : إن السوريين أصيبوا بصدمة ، وتلقوا هذا القرار بذهول ، وسبب الصدمة هو أن هذا القرار هو الأول من نوعه منذ قيام البلدين، فاللبناني والسوري ينتقلان بين البلدين على بطاقة الهوية الشخصية دون الحاجة إلى تأشيرات وجوازات سفر.
والسوري واللبناني يتنقلان ويقيمان بين البلدين دون أية شروط أو أحكام أو حواجز من أي شكل لأي غرض سواء للسياحة، العلاج، الدراسة أو العمل... وغيرها.

والصدمة الأكبر هو صدور هذا القرار في الوقت الذي أعلنت فيه سلطات النظام السورية " النفير العام " أي وجوب التحاق الشباب ما بين ١٨ – ٤٠ سنة بجيش النظام الأسدي .. والكل يعلم أن غالبية الشباب مقيمون خارج سورية والنسبة الأكبر منهم في لبنان ، حيث تواجدوا هناك هرباً من الحرب في سورية ومن بطش وقمع النظام ، وها هو النظام الذي شردهم يضعهم أمام خيارين في حال العودة إلى الوطن : إما الاعتقال والتعرض للتعذيب أو الالتحاق بجيش النظام وممارسة التشبيح والإجرام.

لم يعطِ اللبنانيون الشباب والعائلات السورية المتواجدة في لبنان الفرصة الكافية لتدبير أمورهم حيث سيبدأ العمل بهذا القرار في الخامس من الشهر الحالي.

ولعله – أي هذا القرار- سيطال الأسر الفقيرة والمتوسطة الحال ، لأن ضمن شروط حصول السوري على الإقامة في لبنان أن يكون مالكا لعقار ، أي أن اللبنانيين يستقبلون ويرحبون بالسوري القادر على ضخ أمواله في لبنان ، وغالبية هؤلاء من رموز النظام الذين نهبوا خيرات وأموال سورية وجاؤوا لينعموا بها وينفقوها في لبنان.

كما وأن الفيزا اللبنانية تعطى للسوري أيضاً بغرض السياحة/ العمل/ الدراسة/ العلاج الطبي/ مراجعة سفارة محددة/ السفر عبر لبنان جوّاً أو بحراً، وفق شروط وأحكام محددة .

يبلغ عدد السوريين اليوم في لبنان أكثر من مليون ونصف المليون، وقد كان وزير العمل اللبناني قد أصدر قراراً الشهر الماضي يحصر حق ممارسة عدد من الأعمال والمهن باللبنانيين دون سواهم وذلك لأن لبنان يعاني أساساً من البطالة في حين غزا السوريون سوق العمل في البلاد ، وفق تبرير السلطات .

وإذا قيل : إن من حق لبنان أن يحمي شعبه وحدوده وينظم وضع الوافدين على أرضه وهذا حق مشروع له ولأي دولة، فإن هذه كلمة حق أريد بها باطل ، إذ إن على لبنان الرسمي أن يعترف أولاً أن حزب الله الموجود على أراضيه ويشكل جزءا أساسيا من مكوناته الرسمية والديموغرافية هو شريك أساس في الحرب الدائرة على الشعب السوري ، وأن هذا الحزب المسلح يحتل جزءا من أراضي سوريا في القلمون وغيرها ، ويشارك في قتل السوريين في أكثر من مكان ، وكان يفترض بالجهاز الرسمي اللبناني أن يوقف تدخل الحزب السافر في الأراضي السورية ويضع حداً لنشاطه ويتحرك باتجاه نزع سلاحه وفرض سيطرته عليه.

إن هذا القرار الذي اتخذه لبنان يضع المجتمع الدولي مرة أخرى أمام مسؤولياته تجاه القضية السورية وحماية الشعب السوري من التشرد والموت قتلاً وجوعاً وبرداً وغرقاً في بحار التيه ، وجزر الضياع .

إن على المجتمع الدولي التحرك باتجاه إنشاء مناطق عازلة داخل الأراضي السورية تضمن للسوري النازح العودة إلى وطنه والعيش فيه بأمان ، وتغنيه عن الحاجة والسؤال وتضمن له كرامته أمام حكومات عربية تبتغي إذلاله .

د. فطين البداد

fateen@jbcgroup.tv