تونس وتحديات المرحلة القادمة
لعل تونس هي البلد العربي الوحيد الذي مضى وفق ما تمنته رياح الربيع العربي الذي انطلق - أول ما انطلق - من ربوعها في عام ٢٠١١، لينتقل بعدها إلى مصر وليبيا ثم سورية حاملاً ذلك الحلم الوردي بتحقيق دولة مدنية ديموقراطية تسودها العدالة الاجتماعية ، تحترم شعبها وتعمل على تطوير إمكانياتها، وقد صمدت تونس " ببسالة " أمام العديد من الصعوبات والتحديات التي عملت جاهدة على إجهاض ثورتها وإحباط شعبها .
اليوم ، وبعد أربع سنوات من عمر ثورة الياسمين ، وبعد ثاني انتخابات تشهدها البلاد والتي حسمت نتيجتها بفوز الباجي قائد السبسي بنسبة ٥٥،٦٨٪ على منافسه في الجولة الثانية الرئيس المنتهية ولايته المنصف المرزوقي الذي حصل على ٤٤،٣٢٪ من الأصوات ، فإن تونس لا تزال تلملم نفسها وتلتقط أنفاسها ، وهي تسعى - بعد كل هذه الإستحقاقات من فترة انتقالية ورئيس مؤقت - إلى تحقيق الديموقراطية والعدالة الاجتماعية والأمن والأمان.
يدرك التونسيون قبل غيرهم ، أن أمام السبسي اليوم مسؤوليات ومهمات صعبة ، لا تبدأ بالأمن ولا تنتهي بالإقتصاد ، و أن هذين الملفين هما أخطر ما يواجه تونس الساعية إلى النجاح ، ولئن كان ملف الأمن يتمثل بالإرهاب وذيوله المختلفة ، فإنه ينسحب أيضا على البطالة والفقر والمديونية ، خاصة وأن موازنة 2015 تتضمن ضغوطات معيشية كبرى أبرز عناوينها : رفع الدعم عن السلع الأساسية وعلى رأسها النفط والطاقة ، وكل ذلك ببركات صندوق النقد وتوصياته التي لا تراعي أن البلد خارج للتو من أزمة سياسية نجا من تبعاتها بمعجزة ، وأنه بحاجة إلى بضع سنين ليتنفس الصعداء .
وعلى الرغم من أن تعبير " الوطن العربي " لم يعد مستخدماً إعلامياً وقد تم الاستعاضة عنه بتعبير" العالم العربي" إلا أنني مازلت مصراً على أننا " وطن واحد ومصير مشترك " وأن نجاح تونس هو نجاح للعرب جميعاً وعلينا دعم هذه التجربة ، وعلى التونسيين دعم السبسي في المرحلة القادمة ضد التحديات الكبيرة وعلى رأسها توطيد الممارسات الديموقراطية وترسيخ الانفتاح السياسي وحماية الحريات وعدم الإستفراد بالسلطة ، خاصة وأن البرلمان والرئاسة من لون واحد ، ونأمل أن تكون الحكومة مختلطة ليتحمل الجميع المسؤولية وشرف البناء .
المطلوب من السبسي والحكومة القادمة الشفافية الكاملة التي تشمل كل شيء ، بما فيها الكشف عن الفساد والعمل على تأسيس دولة القانون وإصلاح المؤسسات ولا سيما المؤسسة القضائية وتكريس مبدأ استقلاليتها من أجل تحقيق العدالة للتونسيين بعامة ولضحايا الثورة بخاصة ، وجذب المستثمرين .
كما يجب العمل على تحقيق الأمن والأمان في البلاد بمعناهما الشامل ، لأن التحديات الأمنية التي واجهتها تونس في الفترة السابقة من اعتداءات على قوات الأمن والجيش والاغتيالات السياسية وتهريب السلاح من وإلى ليبيا الجارة ، كل هذا يفرض على السبسي أن يواجه هذه المهمة الأمنية الخطيرة داخلياً وخارجياً بحكمة وقوة في ذات الوقت.
وأما في الجانب الاقتصادي فيجب الشروع في إجراء اصلاحات جوهرية " هيكلية " من أجل الوصول إلى إنعاش الاقتصاد ووضعه على " السكة " الصحيحة ، بعيدا عن الإرتجال والإجتهاد غير الحصيف .
يعلم التونسيون أن الدائرة متكاملة : فإنه لا انتعاش ولا تقدم بدون شروط ، ويشمل ذلك القضاء العادل ودولة القانون والأمن والعدالة الأجتماعية وعدم احتكار " الحكم " أو المال أو الأعمال ، فإن ضمنت تونس ذلك فإن القدر سيستجيب كما قال شاعرها الراحل ، وإلا فإن كل الأحلام ستذهب سدى ، وهو ما لا نرضاه لهذا البلد العزيز الجميل .
د. فطين البداد
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews