عن مبادرات السلام في سورية
تواترت معلومات عن طرح فصيل سوري مدعوم من دولة عربية كبرى لمبادرة جديدة لحل الأزمة السورية ، مع أن هناك مبادرة أممية يقودها ستيفان دي ميستورا ، المبعوث الدولي في سورية .
وتشير المعلومات المتسربة بأن هذه المبادرة قدمت رؤية جديدة للحل السياسي في سورية ولكن من دون تحديد مصير بشار الأسد .
المبادرة هذه وبعد الاطلاع عليها تحمل في متنها نوايا جيدة ومقدمات لتحقيق السلام في سورية.
فهي - أي المبادرة - تؤكد على أهمية تنازل الأسد عن السلطة وتسريح كل قادة الصف الأول والثاني في المؤسسات الأمنية والعسكرية، إضافة إلى تشكيل هيئة لحكم البلاد خلال الفترة الانتقالية وثلاث هيئات تتقاسم مهام المرحلة الانتقالية: مجلس عسكري انتقالي ، حكومة انتقالية ، برلمان انتقالي .
وتقدم المبادرة برنامجا محددا ورؤية واضحة للمرحلة الانتقالية وأهداف هذه المرحلة التي تهدف للوصول بسورية إلى ديموقراطية حرة. لا تستثني أحدا .
ومع يقيني من حسن نوايا هذه المبادرة ومطلقيها ، إلا أنها - في الحقيقة- مبادرة صعبة التحقيق إن لم نقل مستحيلة : ذلك لأن أول بند فيها يؤكد على تنازل الأسد عن السلطة وقيادته الأمنية والعسكرية التي حاربت إلى جانبه طوال ما يُقارب ٤ سنوات .
فهل سيتنازل هؤلاء ببساطة إن لم تُقدم لهم ضمانات تضمن سلامتهم وسلامة عائلاتهم سواء من المحاكمات أو من عمليات الإنتقام من مختلف فئات الشعب ، بعد أن دمروا سوريا وشردوا شعبها بجميع أثنياته وطوائفه بمن فيهم العلويون أنفسهم .
تتحدث المبادرة عن تشكيل مجلس عسكري مؤقت من ١٥ ضابطاً يضم مجموعة من الضباط العسكريين الممثلين للطوائف كافة، ولا
أعلم مدى إمكانية تشكيل هذا المجلس بعد أن أصبح لدى السوريين أكثر من فصيل عسكري وكل فصيل تابع لجهة معينة بحسب الدعم والتمويل وخاضع لإملاءات ومصالح جهات متعددة .
أما ما تضمنته المبادرة من مهام المرحلة الانتقالية والتي تتعلق بوضع دستور جديد للبلاد وحل الجبهة الوطنية التقدمية ، ووضع قانون أحزاب عصري جديد، إضافة لحل مجلس الشعب ومجالس الإدارة المحلية وقانون جديد للإنتخابات ، ومصادرة ممتلكات حزب البعث وإعادة ملكيتها للدولة وتشكيل وزارة تكنوقراط وطنية فإن كل ذلك وغيرها مما تضمنته المبادرة كلام جميل وإن بدا كأضغاث أحلام ، والسؤال هنا : هل سورية اليوم مستعدة لحل كهذا ؟ ثم أين الحديث عن دور روسيا وإيران الداعمين الأساسيين للنظام السوري، وما هو نصيبهما من هذه المبادرة ؟ .
ولا بد لي من التوقف عند جزئية الحديث عن العسكريين في الصف الأول والثاني المراد تسريحهم ، فهل هذا الأمر بسيط فعلا ؟ أم ترانا نسينا وسائل وأشكال التعذيب وعمليات القتل التي مارسها هؤلاء المجرمون ، وإحساسهم بنشوة الانتصار عبر فيديوهات سربت من جنود وضباط وغيرهم ، هل سينسى السوريون كل ذلك مهما قيل عن منع قيام أي انتقام بأي شكل كان .
إن إطفاء الشعور بالظلم ، واليتم ، والفجيعة بمختلف مسمياتها
لدى ملايين السوريين لن تمحوها مبادرة أو تشفي غليلها نوايا حسنة ، أيا كانت مخرجاتها ، إلا إذا تعرض هؤلاء وزعيمهم بشار إلى المحاكمة العادلة الشافية .
كلنا نأمل أن تنتهي الحرب في سورية ويعود أبناؤها إليها وأن لا تنجرف البلاد نحو حرب أهلية تستمر سنوات طويلة، وأن نكون شهودا في ذلك اليوم الذي تعود فيه اللحمة الاجتماعية للمجتمع السوري بكامل طوائفه ، ولكن الحقيقة تقول : إن عين الجرح مفتوحة ، والألم يأبى الهجوع .
د. فطين البداد
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews