قصة تقرير التعذيب الأمريكي «1- 2»
تقرير مجلس الشيوخ الأمريكى، بخصوص التعذيب فى سجون تابعة للمخابرات المركزية- يمثل الحلقة الأخيرة فى معركة طويلة خاضها الكونجرس ضد المؤسسة التنفيذية.
وتفاصيل تلك المعركة التى كنت قد عرضت فى هذا المكان فى 26 مارس الماضى واحدا من أهم فصولها- تستحق أن تروى كلها، ليس فقط لأنها تجيب عن أسئلة كثيرة تتعلق بتوقيت نشر التقرير، وحدود ما تم نشره بالفعل، وإنما لأنها تنطوى على قصة نجاح للمؤسسة التشريعية التى أصرت على استقلاليتها وعلى ممارسة صلاحياتها الدستورية حتى فى ظل وجود الحزب نفسه فى الكونجرس والرئاسة معا. والقصة تمثل أيضا شهادة للإعلام، حين يلعب دورا رقابيا.
وتعود بداية القصة لـ«ديسمبر» 2007 حين نشرت الـ«نيويورك تايمز» أن المخابرات المركزية قد تخلصت من أشرطة الفيديو، التى كانت توثق التعذيب فى السجون التابعة لها. فالخبر كان بمثابة القشة الأخيرة بالنسبة لأعضاء لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ. فأولئك الأعضاء المنوط بهم دستوريا وقانونيا الرقابة على أداء المخابرات المركزية- لم يعلموا أصلا بوجود البرنامج الموجود منذ عام 2002 إلا من الصحف وبعدها بسنوات، فـ«الواشنطن بوست» كانت قد نشرت، فى نوفمبر 2005، تقريرا كشف لأول مرة عن وجود سجون سرية خارج الأراضى الأمريكية، ضمن برنامج سرى أقامته إدارة بوش تتولى بمقتضاه المخابرات المركزية تعذيب المعتقلين فى تلك السجون بزعم الحصول على المعلومات لمكافحة الإرهاب. وقتها، لم يكن على علم بالبرنامج سوى رئيس اللجنة وزعيم الأقلية بها، بينما لم يتلق أعضاؤها أى معلومات رسمية إلا قبل أيام فقط من إعلان بوش عن البرنامج فى خطاب رسمى فى سبتمبر 2006.
وقد اضطر بوش لإلقاء الخطاب، بعد افتضاح أمر البرنامج وبعد أن حكمت المحكمة العليا بعدم دستورية قرار لعام 2002 الذى كان يزعم أن حظر التعذيب المنصوص عليه فى اتفاقات جنيف لا ينطبق على معتقلى القاعدة وطالبان.
لكل ذلك، أثار الكشف عن تدمير أشرطة الفيديو غضب أعضاء لجنة مجلس الشيوخ، فالتقى بهم مدير المخابرات المركزية وقتها، مايكل هيدن، الذى قال لهم إن التخلص من الأشرطة لم يكن تدميرا لوثائق رسمية، لأن الوقائع موثقة عبر آلاف الصفحات التى لا تزال موجودة، والتى عرض على اللجنة الاطلاع عليها.
كان الجمهوريون وقتها فى مقاعد الأغلبية، ولجنة الاستخبارات يرأسها الجمهورى جى روكفللر، الذى أرسل بالفعل اثنين من أعضاء الجهاز الفنى للجنة للاطلاع على تلك الوثائق، فاستغرقت مهمتهما عاما كاملا، قدما بعده للجنة تقريرا خطيرا، قدم صورة أسوأ بكثير مما كانت المخابرات المركزية تقوله للأعضاء عن البرنامج، لذلك قررت اللجنة بواقع 14 صوتا، مقابل صوت واحد- فتح تحقيق موسع.
وفى تلك الآونة، كان الديمقراطيون قد فازوا بالأغلبية فى مجلس الشيوخ بموجب انتخابات 2008، فانتقلت رئاسة اللجنة إلى السناتور الديمقراطية ديان فاينستين، بينما تولى ليون بانيتا رئاسة المخابرات المركزية فى إدارة أوباما. وقد تفاوضت اللجنة مع بانيتا حول كيفية الحصول على الوثائق، وتوصلا لاتفاق تحصل بمقتضاه اللجنة على المعلومات المطلوبة إلكترونيا، حيث تغذى وكالة المخابرات بالمعلومات أجهزة كمبيوتر مملوكة لمجلس الشيوخ توضع فى موقع آمن. وبدأ بالفعل الجهاز الفنى للجنة مجلس الشيوخ العمل، فواجه صعوبات جمة. فالمخابرات المركزية كانت، من باب العرقلة والتعطيل، تلقى بملايين الصفحات على تلك الأجهزة، دون فهرس ولا ترتيب، وكان على الجهاز الفنى التابع للجنة الشيوخ ترتيبها وتصنيفها فضلا عن تحليلها.
(المصدر: المصري اليوم 2014-12-17)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews