شخصيات دكتاتورية تقود المسار الديمقراطي الجزائري
في خضم الصراع الدائر على كرسي الحكم في الجزائر حاليا طرحت بعض المنابر الإعلامية الجزائرية سؤالا مهما: كيف يصدق الناس عودة عدد من الوزراء السابقين ورؤساء الحكومات السابقة إلى الواجهة السياسية ويقدمون أنفسهم للشعب كمعارضين ومبشرين بالديمقراطية؟
من بين هذه الشخصيات نذكر رئيس الوزراء السابق مولود حمروش الذي يعد الابن الشرعي لثقافة الحزب الواحد الذي حكم الجزائر بقبضة فولاذية سنوات طويلة، وساهم في مصادرة الحريات والتعددية السياسية، وعلي بن فليس الذي نصب وزيرا للعدل وشارك فيما بعد كرئيس حكومة، في عهد بوتفليقة، في كثير من الأعمال السلبية فضلا عن استخفافه بالمعارضة حينذاك ومباركته لنشاطات عبدالمؤمن خليفة الذي يوجد حاليا في السجن في انتظار محاكمته.
إلى جانب هذين الرجلين نرى وزير الاتصال والثقافة والسفير الجزائري السابق في أسبانيا عبدالعزيز رحابي الذي كان متنفذا وجزءا من السلطة في عهد الرئيس المتقاعد اليامين زروال المعروف بسياساته الاستئصالية الرافضة للحوار مع معارضي النظام الحاكم، يصنّف نفسه أيضا كقطب ديمقراطي معارض ضمن الجماعة المدعوة بتنسيقية التغيير الديمقراطي.
في هذا السياق نجد رئيس الحكومة السابق أحمد بن بيتور الذي لا يختلف عن الأسماء المذكورة في مرجعياته الرأسمالية وانتمائه إلى ثقافة الدكتاتورية أصبح من دعاة الديمقراطية. فهل حدث لدى هؤلاء تحول حقيقي في بوصلتهم الثقافية والفكرية والروحية، ونبعت في نفوسهم، في ظرف زمني قصير، مبادئ العدالة والحرية والديمقراطية، أم أن تحركاتهم الحالية لا تعني في الجوهر تغيرا حقيقيا وإنما تدخل فقط في إطار اللعب السياسي المقنع من أجل استعادة المناصب التي فقدوها؟
هذه الشخصيات السياسية المتقلبة وفقا لمصالحها ليست حالة استثنائية، بل إنها تمثل أعراضا خارجية وصورة مصغرة لنموذج كلي يعيد إنتاج الأزمة العميقة التي تكبل التقدم في مجتمعاتنا وتحول دون ميلاد الإنسان الديمقراطي. وفي هذا الخصوص من الضروري أن نشرع في تسليط الأضواء على هذه الظاهرة الخطيرة وبذل الجهد من أجل الكشف عن مرجعياتها وأصولها، ودون القيام بمثل هذا التحليل فإن النمطية السياسية المتخلفة المعادية للتحول الديمقراطي ستبقى قائمة وستتكرر دائما في حياتنا.
بديهي أن الأسر التي يتم توزيع السلطة فيها توزيعا متساويا دون إقصاء أو إلغاء، هي مصدر الذهنية الجماعية الديمقراطية، وأن احترام الفرد وتنشئته تنشئة خالية من الانفصام والمعايير المزدوجة يمثل الطريق الذي يؤدي إلى بناء الإنسان الجديد ذي الهوية الديمقراطية. على ضوء هذا يصدق القول بأن دكتاتورية الأسرة هي التي تفضي إلى إنتاج أجيال معقدة نفسيا وإلى إنتاج الحكام المتسلطين.
إن علاج أمراض السياسة والسياسيين في المجتمع الجزائري، وفي المجتمعات العربية بصفة عامة، مشروط بعلاج الثقافة السائدة التي تنتج مثل هذه الظواهر التي تكرس السلطة القمعية النمطية فيها.
في هذا السياق قال أحد المفكرين العرب المعاصرين إن تغييب عمليات بناء الفردية المستقلة المشبعة بالرأسمال الأخلاقي وباستقامة المواقف والسلوك، والمتحررة من تخلف “البنية الاجتماعية العربية الريفية القبلية” هو أحد الأسباب الأساسية التي تكمن وراء إنتاج وإعادة تفريخ أنماط تشكيلات “القبيلة والعشيرة والطائفة وأيديولوجية الطبقة المغلقة على نفسها اللاغية للآخرين”، كما يقول المفكر المصري مصطفى صفوان، وهي الظواهر التي تساهم في إفراز الشخصيات السياسية الانتهازية، وفي وصولها إلى سدة الحكم، وفي توليد العنف في الحياة السياسة والاجتماعية، في المجتمع الجزائري الراهن في آن واحد.
لاشك أنه ثمة علاقة وطيدة بين البناء النفسي والاجتماعي والثقافي للفرد، وبين الممارسة السياسة الدكتاتورية، ودون إدراك كيف تكوَن هذا الفرد المزدوج والمتناقض الشخصية الذي يصبح فيما بعد رجل حكم متسلط، فإننا لن نساهم في بناء الوعي الجديد وإحداث التغيير نحو الأفضل.
من البديهي القول إن الحكَام الدكتاتوريين لا يأتون من خارج المجتمع وبنياته الاجتماعية والثقافية، لأن الحكام ليسوا سوى التعبير غير المباشر عن المجتمع وقيمه السائدة. على أساس هذا التشخيص نرى أن قراءة الأزمة السياسية في الجزائر مرتبطة بالكشف عن كل ما شكل، ولا يزال يشكل، أجزاء أساسية من بنية الشخصية القاعدية الوطنية الجزائرية بشكل عام، وبنيات الشخصية القاعدية لمثل هذا النوع من المعارضين السياسيين الذين يغيرون موقفهم حسب ما يخدم مصالحهم بشكل خاص.
العرب اللندنية 2014-11-27
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews