الأكراد و" حلم " الدولة المستقلة
تعد القضية الكردية من أبرز القضايا التي تناولتها أقلام كبار الكتاب والباحثين والمحللين السياسيين ، وهي اليوم تحتل مكانة واسعة في المشهد السياسي لمنطقتنا التي تشهد صراعات وحروبا في كلٍّ من العراق وسوريا اللتين يشكل الأكراد فيهما نسبة من السكان ، وأيضاً الدول التي تلعب دورا أساسيا في هذه الصراعات وهي تركيا وإيران اللتان تضمان أكبر نسبة من الأكراد في العالم.
والأكراد ، هم إحدى أكبر القوميات التي لا تملك دولة مستقلة أو كياناً سياسياً موحداً معترفاً به عالمياً .
وعلى الرغم من رفض العرب لفكرة انفصال الأكراد في دولة مستقلة تشكل أجزاءً من العراق وسوريا ، ورفض تركيا وإيران أي حديث عن ذلك إلا أنه يجب الإعتراف بأن الأكراد تعرضوا على مدى تاريخ طويل إلى قمع وظلم شديدين.
في تركيا ، وعند إقامة الجمهورية التركية الحديثة على يد مصطفى كمال أتاتورك بداية عشرينيات القرن المنصرم ، اتبع الرجل نهجاً سياسياً صارما يلزم الأقليات العرقية المختلفة في تركيا باللغة والثقافة التركية الخالصة ، والتي كان من نتائجها منع الأكراد من التعبير عن " ذاتيتهم " في النواحي الأدبية والتعليمية ، ومنعهم من تشكيل أحزاب سياسية ، بل إنهم تم منعهم من مجرد التحدث بلغتهم ووصل الأمر لاعتبار ذلك عملاً جنائياً لغاية عام ١٩٩٠.
وفي إيران ، تعرض الأكراد لظلم وحيف كبيرين عقب الثورة الإسلامية ورفض روح الله الخميني إشراكهم في كتابة دستور إيران الجديدة ، والمشاركة في الحياة السياسية، ليس فقط لأنهم أكراد ، بل لأنهم من أهل السنة .
وتعتبر قضية أكراد العراق الأكثر جدلاً والأكثر تعقيداً في القضية الكردية نظراً للتنوع الديني والعرقي في هذا البلد وتداخل قضيتهم مع اقرانهم في الأناضول .
وأما في سورية فيبلغ عدد أكراد شمال شرق البلاد : في القامشلي والحسكة أكثر من مليون كردي لا يملكون هويات أو جوازات سفر ولا يحق لهم العمل أو الدراسة أو السفر أو المشاركة في الحياة السياسية لأنهم ليسوا مواطنين سوريين.
اليوم ، أكراد المنطقة يسعون لانتهاز فرصة الصراعات القائمة في منطقة الشرق الأوسط وتشكيل دولتهم المستقلة التي تتخذ من تجربة العراق نموذجاً لها عندما شكلت الولايات المتحدة منطقة حظر الطيران عقب حرب الخليج الأولى والتي أدت - لاحقا - إلى إنشاء إقليم كردستان في شمال العراق ، وعاصمته أربيل .
هذا النموذج يسعى إلى تحقيقه أكراد سورية وتركيا ، فكردستان لم تكن بلداً مستقلاً ذات حدود سياسية في يوم من الأيام بينما تتوزع بصورة رئيسية في الدول الأربع .
إن المعاناة التي تعرض لها الأكراد ، عبر التاريخ ، أدت إلى بروز جيل يتبنى موقف الخصومة إزاء الانتماءين العربي والإسلامي( أقصد فصائل كردية بعينها ) واليوم هم يعملون بكل قوتهم ليحققوا حلم أجدادهم وآبائهم في تشكيل دولتهم المستقلة التي سيدافعون عنها بكل ما أوتوا من قوة رجالاً ونساءً وأطفالا ، وهو ما تعيش أجواءه مناطق مختلفة في سوريا والعراق وتركيا .
إن حجم الأماني والطموحات لدى الأكراد عظيمة ، ولكننا لا ندعم هذه الطموحات راهنا ، وإنما ندعم فكرة التكاتف والتعاضد كعرقيات وطوائف تعيش في وطن واحد بسلام وتسامح ومساواة .
إن الصدام والقتال لن يؤدي إلا إلى مزيد من التقسيم والتفتيت والإنفصال الذي سيعود على الجميع بالضرر ، وهو الأمر الذي تتحمل فيه حكوماتنا العتيدة مسؤوليته الأولى والأخيرة ، عندما عمقت من حجم التناقضات بيننا ، وعندما ارتكبت المظالم بحق الجميع ، مما فتح منفذا للتدخلات الأجنبية ذات المطامع والمطامح الاستعمارية التي تستغل هذه التناقضات المتفجرة لتحقق مصالحها في العراق وسورية ، اللتين تعدان الساحة الأمثل لتفيذ الأهداف الاستعمارية بعيدة المدى .
د. فطين البداد
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews