البحث عن بديل للجامعة العربية
إنهار النظام الرسمي العربي، ولم يبق شاهد على وجوده إلا أطلال الجامعة العربية وموظفوها وأمينها العام، وكلهم شهود على زمن مضى، يجري الاحتفاظ بهم ومقرهم بحكم العادة ولحاجه أطراف خارجية- دولية وإقليمية- ترى في وجود تلك الأطلال ضرورة، لكي لا يفتح الطريق للبحث عن بديل حقيقي يحشد طاقات الأمة، ولحاجة تلك الأطراف لتمرير اعتداءاتها على أقطار الأمة تحت غطاء موافقة الجامعة العربية كهيئة متحدثة باسم العرب، فلا تبدو تلك الدول معتدية أمام الرأي العام العربي، بل منسجمة مع آراء الجامعة التي لا رأي لها إلا ما يطلب منها.
هذا الحال لا يمكن استمراره، وتصور إمكانية تطوير الجامعة أو أن التغني بالأمجاد يحركها أو يعيدها للحياة- ليس إلا بكاء سياسيا على الأطلال،
يفرغ شحنات الألم وقد يريح الضمير بعمل شيء، لكن دون فائدة.
يجب البحث عن بديل – بعدما فشلت كل جهود المثقفين وضغوط الرأي العام في إصلاح الجامعة- إن لم يكن لضرورات أن تكون هناك هيئة فاعلة في مواجهة أحداث جسام كالتي تمر بها الأمة، فلمواجهة خطر تنامي روح تفكيكية لدى الجمهور العام تحت الشعور بعدم "جدوى العمل العربي" إذ تسري أفكار تقول إن العمل العربي لا فائدة منه كما تتحرك قطاعات من الجماهير نحو دول في الإقليم بحثا عن مساندتها.. تنامي مثل تلك الروح أخطر من بقاء أطلال الجامعة كرمز لزمن مضى، والأفضل أن يجري تحويلها لمتحف ومزار مع البحث عن بديل، لكن وفق رؤية أخرى.
وبالإمكان القول، إن أمر البحث عن بديل للجامعة والنظام الرسمي العربي ليس جديدا – وإن جرى وفق نزعات تراجعية- إذ جرى تشكيل كيانات مناطقية حين سرى شعور بعدم جدوى الجامعة والنظام الرسمي، فظهر مجلس التعاون الخليجي والاتحاد المغاربي ومجلس التعاون العربي (وكان يضم مصر والعراق والأردن واليمن الشمالي) وللأسف جاءت نتائج تلك التجارب قريبة من نتائج تجربة الجامعة. وقد كشف النقاب من بعد عن تشكل بعضها استجابة لطلبات خارجية، وتعرض بعضها للهدم والتحطيم دون الاحتفاظ حتى بمباني أو هياكل وشواهد على قيامه يوما ما.
كان فشل الجامعة العربية نتيجة طبيعية، بل كان تحولها إلى حارس لحالة تقسيم الأمة العربية والإسلامية أمرا طبيعيا أيضا، بسبب طبيعة نشأة الجامعة، وبحكم الدور البريطاني في وضع فكرتها والمساعدة في تشكيلها، كأداة تعميق فكر وحالة الانقسام بين العرب والمسلمين وتحقيق وضعية تمكن الخارج من إنهاض روح العداء لدى الأعراق غير العربية..الخ.
غير أن تشكيل مظلة تحقق مصالح شعوب هذه المنطقة امتدادا إلى العمق الإسلامي، يبقى ضرورة حالة، وفي مثل ما نمر به من مآس يصبح افتقاد هذا الدور حالة كارثية، إذ يتهدد وجود الدول العربية وفق ما نراه من أعمال تفكيك وتوغل نفوذ ودور دول الإقليم في داخل المجتمعات واختراقها وتفكيك ولاءات المواطنين..الخ.
لقد تحول دور الجامعة من الدفاع عن مصالح الأمة إلى تعميق اختراقها، ولذا لم يعد ممكنا إلا إعلان نهايتها، وإطلاق عملية جديدة مخططة لتشكيل كيان مناسب قادر على تحمل تبعات المرحلة الخطرة ويلبي واقع التغيير الذي جرى. مطلوب كيان عربي مختلف.لا يتأسس على فكرة تكريس الانقسام بل يعمل لأجل تعميق الالتقاء. كيان ديمقراطي يسعى لدمج كافة المكونات العرقية والثقافية واللغوية داخل المجتمعات العربية، ممتدا إلى العالم الإسلامي لا متناقضا معه، كيان يعمق فكرة المصالح المشتركة ولا يكرس الانقسام والتقسيم داخل المجتمعات وبين الدول وبعضها البعض..الخ.
وتشكيل مثل هذا الكيان يواجه تحديات جمة، أولها تصور وجوب قيامه من رحم العلاقات العربية الرسمية الحالية ونخبها الحاكمة، فيما الأساس أن يمثل آراء المواطنين ويكون الانضمام إليه عملية ديمقراطية تصويتية في داخل كل مجتمع، بل هو يجب أن ينشأ تحت ضغط شعبي حقيقي. وثانيها تصور أن تشكيل مثل هذا الكيان يجب أن ينتظر نجاح التغيير الجاري حاليا باعتبار أزمة الجامعة ناتجة عن أفكار ومصالح النخب الحاكمة، فيما المطلوب العكس، إذ يجب أن يشمل التغيير فكرة العمل العربي والإسلامي ولا يقتصر على القضايا الداخلية في كل مجتمع. وثالث التحديات أن ظهور مثل هذا الكيان لا يعني سوى خوض معركة حقيقية إذ الغرب وبعض دول الإقليم ستفعل كل ما في وسعها لمنع قيامه وستعلنها حرب عليه. وهو ما يتطلب حشدا شعبيا خلف الفكرة.
ويتطلب الأمر أن يحمل الفكرة مثقفون وسياسيون يحددون مشروعا واضحا يدفعون به للرأي العام العربي ليكون متطورا ومتحولا إلى مشروع في أرض الواقع، مع انتصار الديمقراطية عبر ثورات الربيع، ومن الدول التي تحسم فيها الثورات وجودها.
انتهت الجامعة والبحث عن بديل يبدأ الآن على صعيد الرأي العام.
( الشرق 2014-10-25 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews