عبوة محلية الصنع!
كثيرة تلك الصور النمطية في مصر على رغم طموح بعضهم إلى أن تتخطى البلاد كل المظاهر السلبية التي كانت سبباً في ثورة أطاحت نظاماً عتيداً امتد حكمه نحو ثلاثة عقود، وأخرى وجّهت ضربة قاصمة إلى أقدم جماعة دينية مارست السياسة لأكثر من ثمانية عقود، وأطاحت أحلامها في أن تتخذ من مصر مركزاً للانطلاق للسيطرة على بقية دول العالم الإسلامي.
فمشهد التفاف المواطنين حول رجال الحماية المدنية وخبراء المفرقعات أثناء قيامهم بتفكيك قنبلة عُثر عليها في مكان ما صار مألوفاً، وأصبح اعتيادياً أيضاً أن توصف قيادات وزارة الداخلية كل قنبلة أو عبوة ناسفة سواء انفجرت أو نسفت أو جرى إبطال مفعولها بأنها «عبوة محلية الصنع»، علماً أنه وعلى مدار عقود لم يستخدم الإرهابيون أي قنابل مستوردة يعد تصنيعها في الخارج! وفي كل حوادث التفجيرات في سنوات العنف الديني في العقدين الأخيرين من القرن الماضي أو تلك التي تصاعدت بعد الثورة على حكم الإخوان وعزل محمد مرسي عن الموقع الرئاسي ثبت دائماً ومن أوراق التحقيقات أن كل القنابل أو العبوات الناسفة جرى «تركيبها» بواسطة عناصر في التنظيم الذي يقف خلف العملية بمواد جرى شراؤها أو سرقتها من الأسواق كالمواد الكيماوية، أو الحارقة وغيرها، لكنه الأسلوب المصري في التعامل مع الخطر والذي صار فولكلوراً مصرياً سواء في مشاهد قيام خبراء المفرقعات بتفكيك القنبلة وسط زحام المتطفلين أو السذج، أو في صياغات البيانات الرسمية التي تحوي عبارات مكررة أو لا معنى لها!.
إنها النمطية نفسها التي سيطرت على الإخوان المسلمين وردود أفعالهم منذ خرج الشعب عليهم، سواء بالنسبة إلى التعاطي السياسي مع الحدث، أو النشاط الميداني لعناصرهم وأتباعهم في الشارع، أو حتى التعامل الإعلامي مع الدولة الجديدة في مصر، كما ينطبق الأمر على ما يبثه أعضاء الجماعة عبر عشرات أو مئات المواقع الإلكترونية وكذلك على الفضائيات المؤيدة للتنظيم، على رأسها بالطبع قناة «الجزيرة مباشر مصر»، وعلى رغم إصرار التنظيم الدولي على المواجهة حتى النهاية، واستمرار تظاهرات أعضاء الجماعة في الشوارع وقرب المساجد وفي الجامعات وما فيها من عنف وحرق وتحطيم، وبقاء فضائيات الإخوان على حالها لأكثر من سنة تبث المادة نفسها وسخرية الناس من القائمين عليها وضيوفها والأخبار المفبركة التي تروّج لها، فإن شيئاً لم يتغير حتى الآن «وكأن العناد السياسي والطيش الميداني والجنون الإعلامي من مفردات نشاط الجماعة، أما الإرهاب فرغم مرور سنوات، أو قل عقود، على بدايته في مصر فإن القائمين عليه والداعمين له يسيطر على عقولهم وأساليبهم أساليب نمطية أيضاً تجعلك تتوقع النهاية نفسها لهم كما كانت نهاية من سبقوهم.
المسألة فقط تحتاج إلى نفس طويل، ونفس الدولة أطول، ولو كان تنظيم الجماعة الإسلامية الذي اغتال عناصره بالتعاون مع جماعة الجهاد الرئيس الراحل أنور السادات نجح في تحويل مصر إمارة إسلامية لنجح أنصار بيت المقدس في سيناء أو جند الله في الدلتا في إعادة مرسي إلى المقعد الرئاسي!.
الأساليب النمطية تسيطر أيضاً على بعض مسؤولي الدولة في تعاطيهم مع المشاكل الحياتية للشباب، أو حتى في تعاملهم مع قيادات الدولة، ولعل ذلك كان السبب في طلب السيسي منهم التوقف عن مدحه في كل مناسبة واختصار كلامهم إذا ما تحدثوا في محفل يحضره، فبعض المسؤولين كأنهم أدمنوا المبالغة في وصف الرئيس والإكثار من الإشادة بكل تصرف يقدم عليه وانتهاز كل فرصة لإثبات ولائهم له. أما هؤلاء الذين يطلق عليهم «النخبة السياسية» فلا تشعر أو تلاحظ أو ترصد تغيراً في أساليبهم النمطية إلا التحولات السياسية النمطية أيضاً من تأييد مبارك إلى معارضته، ومن موالاة المجلس العسكري إلى الهجوم عليه، ومن معاداة الإخوان إلى التحالف معهم ثم الانقلاب عليهم، ومن تأييد السيسي إلى الضغط لنيل المكافآت!. عموماً تمرّ مصر بمرحلة تحوّل مهمة، وتحتاج إلى فترة من الوقت لتتخلص من غبار الماضي، وحتى تتخطّى مصر تلك الفترة سيظل الإخوان على حالهم والإرهابيون على إرهابهم والنخبة على اهترائها، وبيانات الداخلية تصف كل قنبلة بأنها عبوة محليّة الصنع.
(المصدر: الحياة 2014-10-20)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews