أوروبا أضاعت الفرصة منذ 25 عاما
بينما تحتفل ألمانيا بذكرى يوم الوحدة الوطنية - في موعد اعتباطي وضعه الساسة أثناء اتفاقية الوحدة الألمانية عام 1990 - عُدت بذاكرتي إلى التاريخ الفعلي للوحدة (9 نوفمبر/ تشرين الثاني، 1989).
حينذاك انصب اهتمام القادة في أميركا وغرب أوروبا على موجة الأحداث التي شهدتها أوروبا الشرقية، التي كانت أكبر وأسرع مما يمكن تصوره. إنها الثورة التي ربما انخرطت روسيا بموجبها في أوروبا السلمية الموحدة، ولكن لم تحظ روسيا بالاهتمام وكانت مهملة، وأصبحت أوروبا الشرقية، مجددا، منطقة عازلة مضطربة غير موحدة تفصل بين الغرب وما سماه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين «العالم الروسي».
لا تحتفل ألمانيا بذكرى الوحدة في التاسع من نوفمبر، لأن هذا التاريخ يعود لذكري ليلة الكريستال لعام 1938. ورغم ذلك كان التاسع من نوفمبر لعام 1989 اليوم الذي بدأ فيه الألمان الشرقيون هدم جدار برلين، وتدفق الأشخاص من دون عراقيل من جانب نقاط التفتيش. والآن تنظر أميركا وحلفاؤها الغربيون إلى هذا اليوم باعتباره نصرا.
كان الرئيس الأميركي جورج إتش دبليو بوش يساوره القلق أيضا جراء الوتيرة السريعة للأحداث - حسبما أفادت وثائق من مكتب الرئاسة آنذاك - كما كان يساوره القلق أيضا لأن الاعتراف بهذا الحدث قد يستفز الاتحاد السوفياتي.
توضح تلك الوثائق التي كشف عنها النقاب أن الثورات التي اندلعت في أوروبا الشرقية ليست انتصارا للغرب، وليست انتصارا لحلف شمال الأطلسي (الناتو). ففي كل من ألمانيا وبولندا والمجر وليتوانيا وأوكرانيا وروسيا، لم يكن الشعب بحاجة للكثير مما يدفعه إلى التمرد ضد حماقة وفساد الحكم الشيوعي. وتصرف الغرب وكأنه فائز اليانصيب بشكل مثير للدهشة، وكانت كل ردود أفعاله غير مدروسة. وهذا يوضح كيف أضاع الغرب الفرصة لخلق بنية أمنية مستقرة في أوروبا، من خلال اجتذاب كل دول الاتحاد السوفياتي السابق - وليس فقط الدول الواقعة أقصى غرب الإمبراطورية السوفياتية - للانخراط في الاتحاد السياسي والاقتصادي.
لم يكن الأمر مستحيلا. وقد تمكنت ألمانيا من تحقيق ذلك لكن على نطاق أصغر؛ إنها الآن دولة موحدة، رغم بعض التوترات المتبقية التي ما زالت تواجهها. ولكن بالنسبة للقادة الغربيين اليوم، بدا حلم يلتسين بامتداد أوروبا من لشبونة إلى فلاديفوستوك كبيرا ومكلفا للغاية. إنهم لم يتمكنوا من التنبؤ بارتفاع أسعار الطاقة، الأمر الذي ساعد روسيا على استعادة الكثير من قوتها التي كانت عليها في سابق عهدها - وأصبحت تشكل تهديدا بدلا من أن تكون حليفا مجديا.
ينظر الغرب إلى محاولة روسيا مدّ نفوذها إلى شرق أوروبا - وبالأخص على الجزء الشرقي من ألمانيا - باعتبارها عملا عدائيا. وانتقدت فيكتوريا نولاند، مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون أوروبا والاتحاد السوفياتي سابقا، في خطاب أدلت به يوم الخميس، قادة المجر وبلغاريا جراء الاستسلام لذلك «كيف يمكنكم النوم تحت عباءة المادة 5 من ميثاق الناتو ليلا، بينما تدفعون باتجاه (الديمقراطية غير الليبرالية) نهارا؛ من خلال العمل على تأجيج النزعة القومية؛ وتقييد حرية الصحافة، أو تشويه صورة المجتمع المدني؟! أوجه الأسئلة ذاتها لهؤلاء الذين يحمون المسؤولين الفاسدين من الملاحقة القضائية؛ ويلتفون على البرلمان كلما سنحت الفرصة؛ أو يبرمون الصفقات القذرة التي زاد بموجبها اعتماد بلادهم على مصدر واحد للطاقة رغم سياسة التنويع المعلنة».
لا أستطيع تقديم المساعدة، لكنني أعتقد أنه إذا كانت الوحدة الأوروبية الشاملة الحقيقية خيارا متاحا في بداية التسعينات، لكان انتقاد نولاند بنفس درجة استحالة اندلاع الحرب الروسية - الأوكرانية. سوف تمد روسيا القارة باحتياجاتها من الطاقة بشكل سلمي، ولن يعدو أي شكل من أشكال الفساد أو النزعات الاستبدادية في أوروبا سوى عودة غير سارة إلى الماضي السيئ المشترك، وليس دليلا على الشقاق والفرقة في مواجهة عدو مشترك.
تأصلت جذور عدم الاستقرار والصراع الذي يشهده الوقت الراهن منذ 25 عاما خلال وقت الانتعاش. الأحداث تسير بوتيرة سريعة للغاية بما يشوش تفكير القادة، والعالم الآن يدفع الثمن.
(المصدر: بلومبيرغ 2014-10-15)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews