اضطرابات اليمن تلقي بظلالها
مع تراخي سلطة الدولة وغياب حكومة مركزية في صنعاء، فإن السؤال عما إذا كان يمكن لجنوب اليمن أن يستثمر الوضع القائم ويعلن الانفصال، ليس هو السؤال الذي "يطرحه الواقع"، ذلك أن الجنوب كحال مناطق عديدة في اليمن هو في حال انفصال فعلي، بعد أن رفعت الدولة يدها عن ولاية البلاد والعباد، وبات اليمن مفككاً، ولم يعد أحد يملأ الفراغ السلطوي في هذا البلد سوى الحوثيين والقاعدة، والأمن الذاتي للقبائل . ولا تجد الرئاسة ما تخاطب به شعبها سوى الدعوة إلى "ضبط النفس" والتذكير بالحوار الوطني، فيما يخاطب زعيم الحوثيين اليمنيين ب "شعبي العزيز" ويخص الجنوبيين بتطمينهم بأنهم سوف يستفيدون من التطورات التي حدثت .
أمام هذه الصورة الهزلية والكئيبة، التي لا سابق لها في تاريخ هذا البلد، من الواضح لكل ذي عينين أن الفاعل السياسي الوحيد في اليمن السعيد هم الحوثيون . وقد كان مقرراً أن يطالبوا الجمعة الماضي 10 أكتوبر برحيل الرئيس بعدما وصفه زعيم الحوثيين بأنه "دمية"، لكن الانفجار الدامي في قلب صنعاء في ذلك اليوم، أرجأ كما هو باد الحشد لطرح وتنفيذ المطلب التالي في تحرك الحوثيين .
من الواضح أن "طمأنة" الجنوبيين، وتنصيب مستشار مقرر يمثل الحراك الجنوبي إلى جانب ممثل الحوثيين حسب "اتفاق الشراكة"، خطوة يراد بها تحييد الجنوب والجنوبيين في هذه المرحلة، وقد أثبت الحراك حياده الإيجابي حيال الأمر الواقع الجديد، بانتظار ما سوف يبلوره هذا الحراك من مطالب في مسيرة مقررة الثلاثاء بمناسبة ذكرى ثورة 14 أكتوبر على الاحتلال البريطاني .
في ضوء تطورات الأسابيع القليلة الماضية، فإن من المنتظر أن يعمد الحراك الجنوبي رغم تعدد تياراته إلى تصعيد سياسي في مناطق الجنوب، والضغط على ما بقي من مؤسسات الدولة لتحييدها وشل حركتها، أما الخطوات الأبعد من ذلك فسوف تكون رهناً بالتفاهم مع الحوثيين على خريطة طريق جنوبية، يضمن تنفيذها في جميع الأحوال إضعافاً مطرداً لحضور الدولة في الجنوب . فيما تتواتر أنباء عن تشكيل مجلس عسكري للحراك الجنوبي ينسق مع الحوثيين وبدعم إقليمي من الطرف الذي يدعم الحوثيين ويرعاهم .
مع ملاحظة أن "القاعدة" تنشط في جنوب البلاد من دون أن يقتصر نفوذها على ذلك الشطر، وهو ما يهيىء لمواجهات دامية، مع ضعف متمادٍ يعانيه حزب الرئيس السابق علي عبدالله صالح (المؤتمر الشعبي العام) في مناطق الجنوب كما الشمال، وهو ما يسمح للحراك وحلفائه الحوثيين بتصوير المواجهة المرتقبة على أنها صراع ضد التكفيريين والإرهاب (القاعدة) وذلك بعد إنجاز حلقة تفكيك الدولة والإجهاز عليها بخطوات متواقتة بين الشمال والجنوب . وتحريف هدف الاستقلال في الجنوب، وجعله يستتبع ما تم من انقضاض مذهبي عسكري وسياسي على الدولة من وراء ظهر الشعب اليمني . ولا يشك المرء بوجود تيارات وزعامات حكيمة في جنوب اليمن بما في ذلك داخل الحراك الجنوبي، والرهان على هؤلاء في أن لا تبدد مقدرات اليمن وأن يحتفظ بسيادته واستقلاله بالفعل، سواء تم الانفصال أم لا، وأن لا يتحول إلى بيدق تُحركه أصابع إقليمية في لعبة النفوذ الدائرة حالياً خلف ستار من التعتيم .
هكذا تبدو الفترة القصيرة المقبلة حبلى بالأحداث في جنوب اليمن إضافة إلى شماله . وهو ما ينذر باضطراب شديد في هذا البلد، أشبه بما يتعرض له العراق منذ عقد من الزمن، اضطراب قد تمتد آثاره وتداعياته إلى منطقة الخليج، نظراً لموقع اليمن بين سلطنة عمان والمملكة العربية السعودية، فضلاً عن موقع اليمن الاستراتيجي في إطلالته على مضيق باب المندب وعدة جزر في البحر الأحمر . بما يوفر تداخلاً جيو استراتيجي مع منطقة الخليج، بما في ذلك التداخل البشري والعلاقات الاجتماعية والتجارية، نظراً لوجود جاليات يمنية كبيرة في سائر دول الخليج العربي . وبما أن الوضع في العراق لم يهدأ بعد ولم تتضح بعد هوية الحكم الجديد ومساراته في بغداد (حكومة حيدر العبادي)، فإن المحاذير تتزايد بأن يُضاف اليمن في غضون أشهر لا سنوات، إلى العراق في بث موجات الاضطراب إلى المنطقة . . مع الأخذ في الاعتبار أن التطورات الدراماتيكية في اليمن حملت رسالة سياسية واضحة بالقفز عن المبادرة الخليجية تجاه اليمن، والتعبير عن ذلك بأساليب ملتوية مثل إعلان عبدالملك الحوثي "رفض كل أشكال التدخل الخارجي" علماً أن تلك المبادرة تتمتع برعاية دولية من مجلس الأمن، وقد وافقت عليها في حينها سائر الأطراف السياسية اليمنية، باستثناء جماعة الحوثيين التي استغلت أحداث التغيير في اليمن خلال العام 2012 وبسطت نفوذها على صعدة وجعلت منها منصة انطلاق للانقضاض على بقية المحافظات والمدن . ومن دواعي الدهشة أنه بينما كان الحوثي يتحدث عن رفض كل أشكال التدخل الخارجي، فإن ناطقاً باسم الجماعة (محمد عبدالسلام) أعلن الجمعة الماضي في لقاء تلفزيوني أن تنسيقاً قد تم مع سفارات أجنبية قبل السيطرة على صنعاء! وسواء كان ما قاله الرجل من باب التهويل أو من باب كشف أسرار، فالثابت بعدئذ أن الجماعة لا تتوانى باعتراف أحد كبار مسؤوليها في الاتصال بسفارات أجنبية، وهو ما يدلل على المسار المريب أشد الريبة للتطورات الجارية .
(المصدر: الخليج 2014-10-13)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews