تركيا وتنظيم الدولة وهزيمة طهران

لعل ما سربه صحفيون أتراك عن نقاش أمريكي - تركي يقضي باحتلال تركيا للرقة ودير الزور وغيرها مقابل إسقاط الأسد ، كشرط تركي مسبق للدخول " المباشر " ضد تنظيم الدولة الإسلامية ، بدأ دخانه يتصاعد في إيران وبكثافة .

فقد علق نائب وزير الخارجية الأيراني حسين أمير عبد اللهيان الخميس : إن طهران حذرت تركيا ، وإنها لن تسمح بسقوط الأسد ، وهي تصريحات أطلقت خلال ندوة سياسية قصد منها توجيه هذه الرسائل ، لتضاف إلى رسائل علي لاريجاني رئيس مجلس الشوري في إيران ، والذي قال قبل تصريح اللهيان : " إن إيران غير غافلة عن التحركات التركية الخطيرة في سوريا " .

تظل المنطقة العازلة من أهم شروط تركيا التي اعتبر رئيسها رجب طيب أردوغان خلال لقاء جماهيري حاشد عقده الجمعة في طرابزون " شمال " : أن نظام بشار الأسد أخطر من تنظيم الدولة ، وهو نفس التصريح الذي أطلقه وزير خارجيته مولود جاويش أوغلو خلال مؤتمر صحفي عقده في باريس الجمعة أيضا مع نظيره الفرنسي لوران فابيوس عندما قال : " إن الأسد هو أصل الإرهاب وإنه أخطر من تنظيم الدولة " .

يعتقد سياسيون غربيون أن تركيا لن تحيد عن شروطها مقابل تردد أمريكي ملحوظ ، لأسباب قد تكون على تماس مع تفاهمات أمريكية مع إيران ، كما ويبدو أن الأتراك تمكنوا من إقناع الفرنسيين بموقفهم فأعلنت فرنسا موافقتها على المنطقة العازلة ، وإذا قال قائل : إن الأمر بحاجة لتفويض من مجلس الأمن فلينظر إلى الطائرات في سماء سوريا .

هذه هي الرؤية التركية لدخول تركي " عملي " من بوابة التحالف ولن تتبلور - في المدى المنظور على الأقل - إلا بالإستجابة لمضمونها المتمثل بإسقاط الأسد بالتزامن مع إسقاط التنظيم في سوريا .

وإذا كان الإيرانيون يصرخون بأنهم أصبحوا على شواطئ المتوسط وإنهم احتلوا أربع عواصم ، فإن لسان حالهم يقول : إن الخامسة على الطريق - المنامة - وها هي المعارضة البحرينية أعلنت السبت رفضها المشاركة بالإنتخابات البلدية والتشريعية المقررة في الثاني والعشرين من الشهر القادم .

طائرات " الشيطان الأكبر " وطائرات الخصوم العرب تجوب سماء سوريا طولا وعرضا دون أن نرى الرد الإيراني المزلزل لحماية " ضلع المقاومة الثالث الذي لن نسمح بكسره " كما تبجحت إيران بداية الثورة السورية ، ونتحدث هنا عن " هيبة " الحليف وكرامته ، وكما يبدو ، فإن التصريحات الإيرانية لا زالت متأثرة بالأمجاد الفارسية الغابرة أيام كانت أمبراطورية كبرى قبل أن يطفئ نارها عمر بن الخطاب .

وإذا نظرنا نظرة سريعة إلى العواصم التي باتوا يحتلونها ، وفق وصف أكثر من مسؤول إيراني - وبدأنا ببغداد ، فإن ما يجري في العراق شاهد على رعونة السياسة الأيرانية ، وسذاجتها وغبائها ، حينما اعتقدت أنها بسيطرتها على الحكومة والمنطقة الخضراء تكون قد سيطرت على العراق بأكمله ، وهو ما يسخر منه واقع العراق الآن . .

قس على ذلك بيروت التي يتلقى حزب الله فيها ضربات قاسية وآخرها موقعه العسكري الذي احتلته النصرة في وضح النهار ، في الوقت الذي وصلت فيه " داعش " إلى طرابلس ، وها هي الفصائل المقاتلة تعيد تحرير القلمون ، ولم يعد الحزب الإيراني قادرا على إيجاد " تخريجة " لفضيحة غزوه في عقر داره وفي موقعه الحصين بأعالي الجبال ،إلا الإعلان عن تفجير لغم في شبعا ، ما يظهر حجم مأزق حزب الله الذي بات همه الأول والأخير تأمين " الضاحية " .

أما صنعاء ، فما من شك أن إيران أسقطتها في لحظة تسلل ، ولكن التفجير الإرهابي الذي نفذته القاعدة الخميس والذي أودى بالعشرات كفيل بدحض مزاعم هذه السيطرة ، دون أن يعرف أحد هل سيدفع تفرد الحوثيين بالسلطة حزب الإصلاح " الإخوان " إلى حمل السلاح ، أو حتى التحالف مع القاعدة وأنصار الشريعة في الجزيرة العربية كما يطلق على نفسه ، ناهيك عن حزب المؤتمر " علي عبد الله صالح " الذي يتقاسم الآن السلطة مع وكلاء طهران في اليمن ، هل سيستمر في تحالفه معهم أم أن هذا التحالف يخبئ مفاجآت ، وإذا سكت الناصريون والجنوبيون والإشتراكيون عموما عما جرى في صنعاء اليوم ، فهل سيسكتون غدا ، وهل سيصمت الحوثيون إذا أعلن الجنوبيون انفصالهم وهم ضد هذه الفكرة بتاتا ، وما يترتب على كل ذلك من تداعيات ؟ .

وإذا ختمنا العواصم " المحتلة " بدمشق فحدث ولا حرج ، وأقله سوق مئات الجنود التابعين للنظام سوق النعاج وهم عراة من مطار الطبقة إلى الصحراء الشرقية وإعدامهم على مرأى ومسمع من علي خامنئي وقاسم سليماني وحسن نصر الله والحرس الثوري في سوريا والعراق واليمن ..

اختلف مع جميع من يزعمون بأن طهران في أوج قوتها في هذا الأوان ، فالواقع يقول بعكس ذلك ، ولا يغيب عنا ما قاله المرجع الشيعي العراقي المعروف السيد الصرخي الحسني عبر شريط مسجل الأسبوع الماضي عندما اعتبر : " أن أي حرب جديدة تخوضها إيران فإنها ستكون بداية النهاية لها ، وأن طهران ستسقط بأسرع من سقوط الموصل لأن " الشعوب " الإيرانية تنتظر هذه الفرصة للخلاص " .

تستطيع إيران تحذير تركيا والتأكيد على أن الأسد خط أحمر ، ، وتستطيع - عمليا - إغلاق مضيق هرمز وباب المندب وإطلاق صواريخ ، وإثارة القلاقل في أكثر من مكان ، ولكنها - في المقابل - لا تستطيع السماح لمواطنيها باقتناء " ستلايت " في القرن الحادي والعشرين ! .

إيران - النظام - تعلم أنها ستسقط ، وبأيدي الإيرانيين ، ومن أجل ذلك فلا غرابة في أنها وحيث تطأ أقدامها فثمة دماء ! .

د. فطين البداد

fateen@jbcgroup.tv