قراءة في الموقف التركي من سوريا
يوما بعد يوم تزداد أهمية تركيا في الملف السوري بنفس القدر الذي تتكشف فيه حقيقة النوايا الدولية من المشهد السوري .. يراد لتركيا أن تتدخل عسكريا في كوباني لمنعها من السقوط في يد تنظيم الدولة الإسلامية .. تركيا ترفع سقف شروطها للتدخل العسكري في سوريا وهي لن تتدخل منفردة ما لم تحصل على ضمانات بخصوص شروطها المتمثلة في محاربة الإرهاب ونظام الرئيس الأسد سواء بسواء ، وأول هذه الخطوات إنشاء منطقة عازلة على الحدود التركية السورية . فلماذا تتردد تركيا من التدخل طالما أن الحاجة إنسانية بالأساس ؟
جملة من الأسباب تدفع تركيا إلى هذا الموقف حيث تخشى الدولة الصاعدة من أي ترتيبات جديدة في الملفين السوري والعراقي تكون على حساب مصالح تركيا الحيوية. وقد كانت التجربة التركية مع الحرب العراقية عام 2003 مريرة . بالرغم من أن الحرب كانت على حدودها ولم تشارك انقرة الولايات المتحدة في حربها ضد العراق إلا أن المصالح الغربية لم تراع الحجم التركي وأقصته تماما عن المشهد العراقي. وقد جاء الغياب التركي لصالح التمدد الإيراني الذي وسع المجال بدوره امام طهران لتكون حاضرة وفاعلة في عدد من الدول العربية.
التوسع الإيراني وتزايد النفوذ يسبب حساسية تاريخية لتركيا ، فالبلدان تنافسا تاريخيا في المنطقة وكان التنافس بينهما هو الثابت في العلاقة المتقلبة بين البلدين منذ قرون. تعتقد تركيا أن أي تراجع لإيران من رصيدها في الواقع السوري يجب أن يصب في حساب تركيا.
تدرك أنقرة أن العلاقة اليوم حرجة بين واشنطن وطهران. وإذا ما تحسنت العلاقة بينهما فإنها قد تكون على حساب دول أخرى في المنطقة.. وهي تعرف أن المحدد الأساسي لمستقبل هذه العلاقة هو الملف النووي الإيراني وبما أن الأمور لم تصل إلى خواتيم سعيدة فهي فرصة نادرة لتركيا أن تحول دون اتمامه قبل أن تعيد ترتيب المنطقة بما يتناسب مع حجمها وحضورها الفعلي .
تركيا لديها حدود تفوق 1200 كلم مع البلدين وتجمعها معهما قضايا عديدة، منها ترسيم الحدود ، القضية الكردية ، اللاجئين ، المسائل الاقتصادية من ترانزيت واستثمارات وغيرها . يضاف لذلك أن عددا ليس بالقليل من الأتراك تورط في الحرب السورية . بعضهم قاتل إلى جانب الأسد من الأتراك العرب وبعضهم قاتل إلى جانب داعش والنصرة.
تريد تركيا إرسال رسالة لجميع القوى الفاعلة في المنطقة أنها لم تعد تركيا المترددة الضعيفة التابعة التي تدور في فلك الآخرين .. تركيا اليوم هي صاحبة مصالح خاصة .
ويبقى سؤال ، الإجابة عليه ملحة وهو : لماذا يصر أردوغان على أن تشمل الحرب على الإرهاب إسقاط الرئيس السوري ؟
تعتقد تركيا أن الحكومة السورية الحالية بقيادة الرئيس الأسد قد حاولت إثارة النعرات المذهبية والحساسيات التاريخية بين مكونات المجتمع التركي مثل العلويين واليونانيين فضلا عن دعم المعارضة التركية. وهناك شكوك تركية لا تخفيها أنقرة أن دمشق مسؤولة عن التفجيرات التي طالت مناطق عديدة لها في الجنوب التركي.
كما تدرك أنقرة أن أي تسوية في سوريا تبقي الأسد في الحكم سيرتد سلبا على مصالح تركيا السياسية والإقتصادية في العلاقة مع سوريا لا سيما أن سوريا تعتبر البوابة العربية للمنتجات التركية وقد مهدت دمشق الطريق أمام الثقافة التركية للعودة الى المجتمعات العربية قبل الأزمة .
وأن بقاء الأسد يعني المزيد من التهميش للمكون السني الذي تحاول أن ترعاه تركيا وتنافس مع دول الخليج حوله ، وبالتالي المطالبة برحيل الأسد كأساس لأي تحول تعتقد أنه سيكسبها أصوات المعارضة وسيحد من تنامي موجات التطرف الديني في المنطقة.
تخشى تركيا من أن ترمم العلاقة بين دول الخليج ومصر من ناحية وبين الحكومة السورية في مواجهة الإسلام السياسي بكل أطيافه وهو ما سيضع تركيا التي تحكمها حكومة محافظة في عزلة شديدة في المشرق هي تكافح للعودة إليه بقوة منذ اعتلاء حزب العدالة والتنمية عرش السلطة عام 2002 . لذا تسعى لقطع الطريق عليه. هذا بعض من أسباب وأهداف الموقف التركي وليس كله بطبيعة الحال ويبقى الرهان على مدى فعالية الدبلوماسية التركية في ترجمة هذه الظروف الحرجة لصالح تطلعاتها ومصالحها الحيوية على المدى البعيد.
(المصدر: الشرق 2014-10-11)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews