أوباما والتقاليد الأميركية
حِكم كثيرة أطلقها الرئيس باراك أوباما، خلال مخاطبته الجمعية العامة للأمم المتحدة منها، أن «الحق يصنع القوة»، وأن الولايات المتحدة «لا تؤمن بالقدر عندما يتعلق الأمر بالمستقبل». فهو لا يرى المستقبل خارج السيطرة. بل «هو شيء يمكن تشكيله وتوجيهه نحو الأفضل، بجهود مشتركة، ليكون كما يستحقه أولادنا».
هذه الحكم أطلقها أوباما، بعدما استعرض مآسي الحرب العالمية الأولى التي ذهب ضحيتها عشرات الملايين، ثم تكررت في الحرب الثانية، من دون أي إشارة إلى مسبباتها ومسببيها، أو الذين انخرطوا فيها وأجبروا الضعفاء على المشاركة في مجازرها.
أطلق الرئيس هذه الحِكم، وهو دائماً يخاطب الآخرين كأنه أستاذ يلقي محاضرة في طلابه، لينتقل مباشرة إلى «التطبيق العملي» لنظريته، أي إلى تحديد الأعداء على الشكل الآتي: روسيا التي تهدد أوروبا كلها. و»داعش» الذي يهدد الشرق الأوسط. ووباء إيبولا الذي يفتك بأفريقيا. وتابع أن روسيا التي تقف إلى الجانب الخطأ من التاريخ، تتحدى قوانين الأمم المتحدة. وعلى أميركا وأوروبا مواجهة هذا التهديد قبل أن يصل إلى برلين ولندن وباريس، ووضع حد لعقلية الهيمنة والتوسع على حساب الشعوب. فبعدما انتفض الشعب الأوكراني على رئيس فاسد، مطالباً بالإصلاح. وبعد فراره إلى موسكو، تدفق السلاح الروسي إلى شرق البلاد، وضُمت شبه جزيرة القرم، على رغم إرادة هذا الشعب. «هذه الرؤية (الروسية) قائمة على حق القوة. قوة تعيد رسم خريطة أمة أخرى».
في أفريقيا، يرى أوباما أن على العالم التحالف للقضاء على إيبولا والحيلولة دون انتشار هذا الوباء.
أما العدو الثالث أي «داعش» فمواجهته واضحة. هناك تحالف دولي - عربي يشن حرباً على هذا التنظيم في العراق وسورية. وكي يكون دقيقاً حدد الرئيس زمن هذه الحرب بثلاث سنوات، إلى حين إعادة تأهيل «المقاومة المعتدلة» وتغيير موازين القوى على الأرض في سورية، وعندها فقط يصبح الحل سياسياً.
في معنى آخر الحرب ستمتد إلى ما بعد مغادرة أوباما البيت الأبيض ليرثها رئيس آخر، مثلما ورث هو الحروب في أفغانستان والعراق والصومال واليمن من جورج بوش الابن الذي ورثها من كلينتون الذي ورثها من بوش الأب... ويمكن أن نذهب في هذا التقليد الأميركي إلى أبعد من ذلك بكثير. إلى ريغان أيام الحرب الباردة، وجونسون ونيكسون أيام حرب فيتنام.
نستنتج من خطاب أوباما في الأمم المتحدة أن الحروب الأميركية، خصوصاً في الشرق الأوسط، مستمرة، سواء كان ساكن البيت الأبيض جمهورياً أو ديموقراطياً، فهو خاضع لإرادة صانعي الأسلحة ولوبيات النفط، فضلاً عن اللوبي الصهيوني. فكلها جماعات تصنع آلهة الحرب وتوجهها.
الرئيس أوباما الذي سُلّف جائزة نوبل للسلام في بداية عهده «على أساس نواياه» لا يختلف عن سابقيه في تشدده ونزعته الحربية، على رغم بلاغته الخطابية التي لم تقنع في الأمم المتحدة سوى حلفائه.
(المصدر: الحياة 2014-09-27)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews