الحكام العرب وديمقراطية الغرب
في سابقة مميزة ، قررت اسكتلندا (وهي أكبر الدول المشكلة للمملكة المتحدة حيث تُمثل ٨،٣٪ من سكان المملكة المتحدة وثلث مساحتها و٩،٢٪ من إجمالي ناتجها الداخلي ).. قررت البقاء ضمن المملكة المتحدة في استفتاء تاريخي أظهرت نتائجه الرسمية أن غالبية الناخبين الاسكتلنديين رفضوا الاستقلال وأعطوا أصواتهم للبقاء ضمن المملكة .
جاء رفض الاسكتلنديين الاستقلال عن بريطانيا بنسبة ٥٥،٣٪ من الأصوات، بفارق كبير عن مؤيدي الاستقلال الذين حصلوا على ٤٤،٧٪ من الأصوات بحسب الأرقام الرسمية الصادرة صباح الجمعة ١٩ أيلول/ سبتمبر٢٠١٤.
هذه النتيجة التي حملت مشاعر الفرح والسرور والنشوة بالنصر لدعاة الوحدة والبقاء مع بريطانيا، رافقها أيضاً شعور بالفشل والهزيمة لدعاة الانفصال مما خلق جواً من المشاحنات غير اللائقة والشتائم غير المناسبة بين الطرفين ، ما دفع بالسلطات الاسكتلندية التي أعربت عن قلقها الشديد حيال الأجواء المشحونة في البلاد بين أبناء الشعب الواحد ، إلى اقتراح إقامة مجموعة من الحفلات " الموسيقية " من أجل رأب الصدع بين الفريقين.
لعلَّ هذا هو التفكير الذي نأمل أن تحذو حذوه بعض الحكومات العربية التي لم تستطع أن تحتمل رياح الربيع العربي التي طالبت بالتغيير ، فقضت عليها وألحقت بشعوبها الثائرة وبلدانها خراباً ودماراً شاملا .
هل يعقل أن شعوباً نادت بالحرية والديموقراطية وطالبت بالإصلاح أن تلقى هذا المصير الذي لاقاه الشعب السوري الذي خرج ثائراً على نظام مجرم فاسد حكمه لأكثر من أربعين عاماً، فكان أن واجه هذا النظام الأصوات المطالبة بالحرية والعدالة الاجتماعية بالدبابات والمدافع والطائرات ، فدمر ثلاثة أرباع سورية وجعل مدنها ركاما فوق ركام ، ناهيك عن الدمار النفسي الذي أصاب شعباً بكامله بسبب : اعتقالات وتعذيب لم يسبق له مثيل في التاريخ المعاصر، حتى إن ما شاهدناه من صور يندى لها جبين الإنسانية ليس سوى جزء يسير من الحقيقة البشعة التي ستظهر يوماً ما ، وتكشف عن جرائم قذرة مارسها مجرمو النظام بحق الشعب المكلوم .
هل يستحق السوري الذي طالب بالاصلاح والتغيير أن يُقتل بشتى وسائل القتل : بالصاروخ والبراميل والطائرات والرصاص والقنص والجوع والبرد والغرق ، وآخرها باللقاحات الفاسدة !!.
لقد تعددت الأشكال والوسائل وبقي الموت هو مصير هذا الشعب الأبي الذي هُجرَّ وشُردَّ فأصبح لاجئاً ونازحاً في دول العالم : " تتكرم " عليه بالفتات ، ويتعرض في بعضها للإذلال والمهانة.
لقد جعل نظام المافيا السوري من سورية - البلد الجميل ، بلد التاريخ والحضارات - وكراً للإرهاب والتطرف بعد أن كان وطناً ثانٍيا للجميع بظلاله ومياهه وثرواته وكرمه وحبه لزواره ، وبات الآن يصدر الإرهاب والموت إلى المجتمعات العربية والغربية، كما أصبح مشكلةً تعقدت وتشعبت لدرجة الإستعصاء أو قريبا منها !.
من أجل تحقيق السلام وتهدئة النفوس ، كان خيار " الموسيقا " هو الحل الأمثل الذي ارتأته اسكتلندا لتخفيف حدة التوتر بين أبناء شعب واحد اختلف في الرأي حول قضية مصيرية تعني مستقبل الوطن .
هذه هي الديموقراطية التي يفهمها ويعيشها الغرب المتحضر ،وشتان ما بين هذا الخيار ، وبين خيار السلطات العربية بحق شعوبها المسكينة المظلومة .
لقد دفع الشعب العربي ، وما يزال ، ثمناً باهظاً من أجل أن يصل إلى الديمقراطية الحقيقية ، تلك التي يكون فيها الاختلاف بالرأي مصدر قوة للجميع .
الجميع بدون استثناء !.
د. فطين البداد
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews