واشنطن وطهران وتنظيم الدولة الإسلامية
لا يختلف اثنان على أن تنظيم الدولة الإسلامية ( داعش ) هو تنظيم إرهابي خطير بات يهدد المنطقة والعالم ، وبدأ خطره يزداد مع ازدياد سيطرته على مساحات شاسعة في كل من العراق وسورية وعلى منابع النفط والثروات فيهما .
كما لا يختلف اثنان على عنف هذا التنظيم وإجرامه ونحن نشاهد يومياً صوراً وفيديوهات قطع الرؤوس وأخبار اغتصاب النساء والمجازر الدموية التي يقوم بها مقاتلوه في المناطق التي يسيطرون عليها .
ولعل هذا ما استدعى استنفارا عالميا ضد هذا التنظيم ، ودفع الكونغرس الأميركي لطلب وزير الخارجية الأميركي جون كيري ليشهد أمام جلسة استماع له بتاريخ ١٦ أيلول/ سبتمبر الحالي عن استراتيجية الرئيس أوباما في محاربة " داعش " خاصةً بعد نشر داعش لفيديو آخر يصور عملية ذبح الصحفي الأميركي الثاني ستيفن سوتلوف، مما آثار غضب الرأي العام الأميركي والغربي ودفع بأوباما للإعلان - في مؤتمر صحفي - عن رغبة الولايات المتحدة بقيادة تحالف للتصدي ودحر هذا التنظيم البربري ، حيث قال أوباما : " هدفنا واضح، هو تدمير داعش حتى لا تشكل تهديداً، ليس على العراق فحسب، ولكن على المنطقة والولايات المتحدة أيضاً ".. مؤكداً : " أن الولايات المتحدة ستواصل قيادة الجهد الإقليمي والدولي ضد هذا النوع من الأعمال الهمجية ".
ونحن إذ ندعم هذا التحالف ونتضامن معه من أجل القضاء على هذا التنظيم الإرهابي المجرم ، قإن علينا أن لا ننسى خطر ميلشيات عسكرية طائفية تتخذ من داعش وإرهابه حجة لتنفيذ مخططات استعمارية في المنطقة.
فبينما نرى في العراق مثلاً أعلام الدولة الإسلامية ( داعش ) السوداء، فإننا على الجانب الآخر الخاضع لسيطرة الميلشيات العسكرية العراقية لا نرى العلم الوطني العراقي ، بل رايات شيعية سوداء أيضا ترفرف بالحقد والدموية ، شأنها شأن داعش ومن لف لفه من تنظيمات ظلامية .
وكما يعلم الجميع فإنه في وقت سابق من هذا الصيف ، وعندما استسلم الجيش العراقي أمام تنظيم الدولة الإسلامية، ترك أمر ملء الفراغ ومراقبة تقدم الإسلاميين نحو بغداد للميلشيات الشيعية ، وهذا الاعتماد على الشيعة جلب معه - سابقا ولاحقا - رزايا وخطايا كثيرة ، ولا زلنا نذكر تلك الجريمة " المنظمة " التي ارتكبتها العصابات الشيعية في ديالى ، عندما اقتحمت مسجدا سنيا يوم الجمعة ، وقتلت ما يقرب من 70 مصليا ، مما دفع أعداداً كبيرة من السنة العاديين الذين يعيشون في مساحات شاسعة بين بغداد ودمشق للوقوف مع تنظيم الدولة ومؤازرته ومبايعته بحثا عن الإنتقام ، وليتحول الأمر - بهذه الجريمة وما سبقها وما تلاها - إلى حرب طائفية ضروس من ينكرها كأنما يضع رأسه في التراب خاصة بعد الفتوى التي أصدرها السيستاني بوجب "الجهاد" ضد أهل السنة .
وتتواتر المعلومات حتى من مواقع شيعية متطرفة ، أن هذه الميلشيات تدربت في إيران من قبل الحرس الثوري ، ولبنان تحت إشراف حزب الله من أجل قتال السنة في المنطقة، فالسنة هم الأعداء الحقيقيون لهؤلاء الصفويين الجدد ، سواء أكانوا مع تنظيم الدولة أم ضده ، وباتت استراتيجية هذه الميليشيات هي تطهير المنطقة من السنة وإبدالهم بالشيعة ، وبالتالي تنفيذ مشروع إيران الصفوي بإعادة سيطرة الفرس على المنطقة : هذا هو المخطط الذي يعملون عليه من خلال تشويه صورة السنة لدى الغرب، ومن خلال مد يد العون لمساعدة الغرب في قتال داعش بعد أن كانت إيران - ظاهريا على الأقل - هي العدو الأول للولايات المتحدة .
والسؤال : هل ستقع الولايات المتحدة - بالنسبة لإيران - في مطب مقولة : " عدو عدوي هو صديقي" ؟! رغم ما أعلنته وزارة الخارجية الأميركية من : أن الولايات المتحدة لا تنوي التعاون عسكرياً مع إيران للتصدي لتنظيم الدولة الإسلامية، حيث قالت نائبة المتحدثة بإسم الوزارة ماري هارف في مؤتمر صحفي : " لن ننسق أي عمل عسكري مع إيران ولن نتقاسم معلومات معها وليس لدينا أي خطط لذلك ".. ولكنها أشارت في نفس المؤتمر إلى أن خطر داعش يهدد الجميع بما في ذلك إيران وأن الحاجة تقتضي مساهمة الجميع في مواجهته " .. ولكن يبقى غير المعلن في العلاقات والسياسات الأميركية الإيرانية هو ما يثير القلق.
إن الهدف الأساسي الذي انطلقت لأجله الثورات العربية هو تحقيق الحرية والعدالة الاجتماعية والديموقراطية وبناء الدولة المدنية الحديثة التي تتسع للجميع ، ولكن - في ظل هذا المخطط العسكري الشيعي الإيراني ووجود تنظيم الدولة الإسلامية - فإن حرباً طائفية قد بدأت وقد يزداد أوارها اشتعالا وتستمر لعشرين سنة قادمة تحرق فيها الأخضر واليابس ، وفي ظل تكدس الأسلحة وسهولة فكرة القتل، فسوف ينتقل الصراع ذاته إلى أماكن أخرى ، وعندها لن ننتهي من دائرة العنف والقتل والإنتقام .
للتذكير فقط : طائرات الجيش العراقي قصف السبت مستشفى للأطفال في الحويجة ، وقتلت الأطفال وأمهاتهم .
قلنا : إن تنظيم الدولة تنظيم مجرم ، إلا أن تنظيمات إيران وعصاباتها لا تقل إجراما ، وهنا تكمن المعضلة .
د . فطين البداد
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews