حكومة داود أوغلو.. سياسات جديدة
تشبه العملية السياسية الجديدة في تركيا لعبة الشطرنج حيث يحل حجر محل حجر أو تصل إلى لحظة خروج أحد الأحجار من الرقعة ليصبح خارجها، لكن ما يميز هذه العملية أنها لم تصل إلى مرحلة "كش ملك" وبالتالي هي لا تزال تراوح مكانها.
في المقارنة العملية إذا اعتبرنا أن الغائب الأكبر، أو الملك إذا جاز لنا وصفه بذلك، هو الرئيس التركي المنتهية ولايته عبدالله جول، لقلنا إنه الضحية الأولى والأكبر للعملية السياسية التي انتقل فيها رجب طيب أردوغان من رئاسة الحكومة وحزب العدالة والتنمية إلى رئاسة الجمهورية، ليحل محله وزير الخارجية أحمد داود أوغلو، الذي حل محله وزير الاتحاد الأوروبي مولود تشاووش أوغلو كوزير للخارجية، فيما حل فولكان بوزكير محل تشاووش أوغلو في وزارة الاتحاد الأوروبي.
رقعة شطرنج يتناوب المسؤولون على مراكزها، وفي المحصلة تكون اللوحة هي نفسها، هكذا تبدو لنا بنية السلطة "الجديدة" في تركيا، المراكز لا تزال بيد الأشخاص أنفسهم مع تبادل في الحقائب، وهذا بتقديري لا ينسجم كثيرا مع شعار "تركيا الجديدة" الذي رفعه أردوغان بعد وصوله إلى رئاسة الجمهورية، ذلك أن أي نهج جديد لا بد أن يترافق مع تغيير الطاقم الحاكم سواء على صعيد الحكومة أو الحزبي أو أي مجال آخر.
ورب سائل: ولماذا يغير حزب العدالة والتنمية نهجه ما دام هذا النهج عرف نجاحات كبيرة على الصعيدين الداخلي والاقتصادي وكان عرف نجاحات قبل "الربيع العربي" قبل أن تخسر تركيا معظم حلفائها وجيرانها وأصدقائها؟، هذا إضافة إلى أن التجديد يكون في البرنامج وليس في الأشخاص وهو ما فعله فعلا أردوغان الذي كان يخرج كل فترة بمبادرات حققت إصلاحات متعددة آخرها محاولة حل المشكلة الكردية. ومع أن مثل هذه المبادرات لا تعني حكما أن تنتهي بالنجاح غير أنها تعكس الرغبة الدائمة في التجديد الذاتي ومحاولة رؤية المآزق قبل وقوعها.
إن التجديد في تركيا اليوم لم يكن في الأشخاص.وهذا يعني أن شعار تركيا الجديدة يحتاج إلى مزيد من الجهد لترجمته على أرض الواقع.
وإذا توقفنا عند برنامج الحكومة الجديد فإنه مستمر في المسار نفسه السابق.
فاستمرار علي باباجان المعني بالملف الاقتصادي، وزيرا في الحكومة الجديدة، هو رسالة ثقة إلى الدوائر المالية الغربية والعالمية.غير أن تعيين وزير الاتحاد الأوروبي مولود تشاووش أوغلو وزيرا للخارجية قد يكون الرسالة الأقوى في الحكومة الجديدة من أن تركيا ستولي علاقتها مع الاتحاد الأوروبي عناية أكبر من السابق.
وأقول عناية أكبر وليس أولوية لأن المساحة التي أفردت للانضمام إلى الاتحاد في البيان الوزاري، كانت مختصرة وتقليدية ولا تضيف شيئا إلى ما هو معروف عن الموقف التركي.
إذ في الواقع العملي فإن اعتبار الانضمام إلى الاتحاد هدفا استراتيجيا لتركيا لم يترجم في خطوات محددة في السنوات الأخيرة ولاسيَّما بعد العام 2005.بل نجد أن التقارير الأوروبية المتوالية سواء الرسمية أو التابعة لمراكز دراسات ومؤسسات أخرى كانت حافلة بالانتقادات لمسار العملية السياسية والحقوقية والتضييق على الحريات ولاسيَّما الصحافية منها فضلا عن انتقاد تدخل السلطة السياسية بالشأن القضائي.
كما أن الدينامية التركية الخارجية في السنوات الأخيرة، لم تكن موجهة إلى الاتحاد الأوروبي ولا إلى الغرب وتناقضت معهم في العديد من المحطات، بل كانت تتركز على المحيط الإسلامي والشرق أوسطي. وانغمست تركيا كما لم يسبق لها من قبل في قضايا المنطقة ومشكلاتها ونالت نصيبها من النجاح ومن الفشل وباتت جزءا من صيرورة المنطقة بكل تداعياتها ومضاعفاتها.. وليس أبلغ على التحديات التي تواجهها تركيا إقليميا أن ترد أمريكا اللاتينية وإفريقيا وبعض الدول الهامشية في العالم في البيان الوزاري فيما غابت عنه مثلا مصر ودول الخليج و...الصين!
(المصدر: الشرق 2014-09-06)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews