ليبيا وغموض الموقف الغربي
إن النظام السابـق في ليبيا قد تـم إسقاطه بقرار دولي، بل بقرار غربي تبنته قطر ومرر من خلال الجامعة العربية، وبتأييد ودعم كامل من الدول الغربية والولايات المتحدة الأميركية وكانت مبررات هذا التدخل حماية المدنيين. وبناء على ذلك وضعت ليبيا تحت البند السابع وتدخل الحلف الأطلسي وأنجز مهمة إسقاط النظام، ووعد المجتمع الدولي ببناء دولة ديمقراطية حرة فيها تداول على السلطة، ويُحترم فيها المواطن الليبي، ويتمتع بخيرات الغاز والنفط والموارد الاقتصادية الأخرى اللتي تنعم بها ليبيا شاسعة المساحة ومحدودة السكان.
بعد سقوط النظام في أكتوبر 2011، والذي صادف احتلال ليبيا من قبل إيطاليا في أكتوبر 1911، أطلقت أيادي الإسلاميين من الإخوان المسلمين والقاعدة والجماعة الليبية المقاتلة، وكل جواسيس الأرض للعبث بليبيا وتخريب مؤسساتها، بل ونهب مواردها المالية في الداخل، وإهدار أرصدتها في الخارج، التي تقول آخر المعلومات أنها تناهزُ الألف مليار دولار، بل أُعيد إنتاج السيناريو العراقي بحل الجيش الليبي، وتعطيل جهازي الشرطة والقضاء، وفي مرحلة أخرى تصعيدية لتعميم الفوضى سمح لسجناء غوانتنامو السابقين بتبوء مراكز قيادية وحساسة.
وخصصت الحكومات الهزيلة المتعاقبة على ليبيا بدءا من حكومة عبد الرحيم الكيب وصولا إلى حكومة علي زيدان مليارات الدينارات لتقوية الميليشيات المسلحة غير الشرعية، تحت مسميات خادعة مثل حرس الحدود وكتائب الثوار ودرع الوسطى والغربية وغيرها من عصابات السلاح والمخدرات وحتى تجارة البشر والهجرة غير الشرعية.
ثم تجاهل المجتمع الدولي والغرب بصفة خاصة ومنظماته الحقوقية الجرائم البشعة التي تجري في ليبيا كل يوم، من اغتيالات واختطاف واغتصاب وتهديم وحرق البيوت ومصادرة الممتلكات، بل وحتى حرمان عشرات الآلاف من مرتباتهم وطردهم من أعمالهم بحجة أنهم كانوا مؤيدين للنظام السابق.
وسمح الغرب وبإشراف مباشر من قطر وتركيا والسودان والإخوان المسلمين المتطرفين بإرهاب المؤتمر الوطني العام وتهديده بالسلاح، لإصدار قرارات العزل السياسي وقانون الحراسة وتزوير تهم ملفقة لعشرات الليبيين، حتى يتم وضعهم في قوائم المطلوبين دوليا حتى إن عدد الليبيين المطلوبين فاق عدد المطلوبين من الصين والهند مجتمعين.
إن المجتمع الدولي، وخاصة الغرب، يعرف أن عشرات الطائرات المحملة بالسلاح والمرتزقة تأتي من قطر وتركيا ودارفور إلى المطارات الليبية التي تقع تحت سيطرة الإسلاميين دون أن يحرك ساكنا، واليوم يعلن أن طائرات مصرية وإماراتية هي التي قصفت ميليشيات مصراتة والإسلاميين في طرابلس.
إن المجتمع الدولي يعرف أن قاعدة معيتيقة وهون والكفرة، هي مراكز لتخزين الأسلحة للإسلاميين، ومراكز تدريب لمئات من المتطرفين غير الليبيين، ويعرف أن السجناء السياسيين في ليبيا يتعرضون لأقصى أنواع التعذيب الذي تهدر فيه الكرامة الإنسانية، ولكنه يتجاهل كل ذلك بحجة أنها ردّات فعل طبيعية ضد تصرفات نظام القذافي.
إن الموقف الغربي قد عبـرت عنـه السفيـرة الأميركية في لقاء مع قناة العربية، حيث لم تدن أنصار الشريعة ولم تنتقد الميليشيات، وقالت إنها كانت، ومازالت، في تنسيق كامل ومستمر مع رئيس الحكومة والوزراء لبناء المؤسسات. وهي نفسها التي خرجت تحت جنح الظلام مع فريقها الدبلوماسي هربا من القتال بين الميليشيات المسلحة في طرابلس، بل ورفضت أن تصف ليبيا بالدولة الفاشلة، وقالت إنها دولة في طريقها إلى النمو.
ولهذا فإن الموقف الدولي وخاصة الموقف الغربي يكتنفه الغموض، بل والتناقض بين خوفه من الإرهاب أن يضرب أوروبا والولايات المتحدة الأميركية ولهذا لابد من مواجهته، وبين دعمهم للإسلاميين ومغازلتهم مقابل نقلهم المعركة إلى داخل الوطن العربي والعالم الإسلامي على أن يتعهد الغرب بدعم وصولهم إلى السلطة، وغض البصر عن ممارساتهم المتوحشة، والتخلي عن القيم الغربية فى تداول السلطة وحقوق الإنسان.
إن السؤال المهم هنا، هو هل كان دافع الغرب في تدخله في ليبيا عام 2011 حماية المدنيين الليبيين؟ وإذا كان ذلك كذلك فلماذا لا يحميهم الآن من هؤلاء المتوحشين؟ وإذا كان تدخله تمسكا بالتداول على السلطة فلماذا يساعد الآن على تعميق الفوضى ولا يكترث بحجم الجرائم التي ترتكب في حق الإنسان الليبي كل يوم؟
إن غياب الإجابات الواضحة لهذه الأسئلة المشروعة، التي يطرحها الليبيون اليوم تبين أن ما حدث عام 2011 هو تصفية حسابات قديمة مع القذافي، وأن كل المبررات الأخلاقية التي سُوقت لإسقاط النظام هي مبررات يتم استخدامها حسب الحاجة، وبما يخدم الأهداف الاقتصادية والاستراتيجية. والسؤال الآخر المهم، هو هل مجلس الأمن مازال ملتزما بقراره رقم 1973 أم أن هذا القرار قد استنفذ عمره الافتراضي بإسقاط النظام.
أسئلة كثيرة تبحث عن أجوبة ليست موجودة، وإذا ما وجدت فإنها ستبين أن الموقف الغربي والدولي من ليبيا يبين حجم الغموض بل ويفضح التناقض في مواقفه من الشعب الليبي خلال أزمته المفتعلة عام 2011 والكارثة التي يمر بها الآن عام2014.
(المصدر: العرب 2014-09-04)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews