زوجته وابنه
فكروا لحظة واحدة في سيناريو فظيع وهو أن تغتال حماس لا سمح الله سارة ويئير نتنياهو، أي زوجة رئيس الوزراء وابنه. ولا يقل عن ذلك فظاعة أن تغتال رويتر ونداف غانتس، أي زوجة رئيس الاركان وابنه. ماذا كانت ستصيب حماس من هذا الاغتيال الفظيع؟ وكيف كانت اسرائيل سترد عليه؟ هل كانت ستخضع لمطالبها؟ وهل كان الرأي العام سيزيد اعتدالا؟ وهل كانت ستغفر اسرائيل في يوم ما؟ وأي فائدة كانت ستصيبها حماس لو نجحت لا سمح الله – ونؤكد قولنا مرة اخرى لا سمح الله ـ في المس برئيس الوزراء أو برئيس الاركان أنفسهما؟ ألم يكن يوجد عنهما بديل؟ وهل كانت اسرائيل ستتبرأ من قيادتها؟ وهل كانت ستطأطيء رأسها لمغتالي قادتها؟ وهل كانت ستسارع الى أن تبني لهم ميناءً عميق الماء ومطارا في غزة؟.
إن الذين استقر رأيهم على محاولة اغتيال محمد ضيف ونجحوا في قتل وداد زوجته وعلي إبنه (وهو رضيع عمره ثمانية أشهر)، من المؤكد أنهم لم يفكروا هذا التفكير. فهم في اسرائيل غير مستعدين أبدا لأداء لعبة الأدوار العكسية هذه، أي ماذا كان سيحدث لو كنا مكانهم. وهذا جزء من سلب الفلسطينيين انسانيتهم ونسبتهم الى الشيطانية. اغتيال زعمائهم وقادتهم؟ إنه أمر مشروع. وماذا عن اغتيال زعمائنا وقادتنا؟ إنه لأفظع من فظيع؛ وكيف تمكن المقارنة أصلا؟.
إن المسؤولين عن القضاء على أبناء عائلة ضيف بحثوا عن صورة انتصار أو عن صورة مؤلمة على الأقل بقدر كاف لوقف اطلاق القذائف الصاروخية. لكن التأثير كان وسيكون دائما عكس ذلك. فهذه العملية ايضا ستزيد فقط في قوة المقاومة وفي التطرف والتصميم كما كان سيحدث في الوضع العكسي وهو اغتيال زعيم اسرائيلي.
إن الحرب التي بدأت بـ «خريطة ألم» خطها سلاح الجو في الايام الاولى، وشملت قصف بيوت «نشطاء حماس» ـ وهذا مصطلح مرن بصورة عجيبة، وشمل ايضا قصف بيتي وعائلتي مدير مستشفى وقائد شرطة – بحثت لنفسها عن نهاية سعيدة. ولندع اسئلة عن الاخلاق في قصف بيت فوق ساكنيه بمحاولة اغتيال ضيف وقتل الرضيع؛ ألم يكونا بريئين؟ ليس لهذه الاسئلة طلب ولا أذن صاغية ولا تثير في اسرائيل الآن سوى الاستهزاء. لكن ماذا عن مبلغ الحكمة؟ إنها ايضا ليست سلعة رائجة. ولا يوجد ما يُقال في استخلاص الدروس من ماضي الاغتيالات العقيم. إن الشعب يريد اغتيالا فليُعطى له؛ فاغتلْ.
سيكون الرد الفلسطيني على اغتيال زوجة ضيف وابنه كالرد الاسرائيلي بالضبط لو كان الوضع بالعكس، أي بالانتقام. وقد رأيناه برشقات القذائف الصاروخية أمس وسنراه ايضا. لن يكون عن زوجة ضيف وابنه بديل لكن سيكون عنه هو نفسه بديل كما كان عن كل من سبقوه من ضحايا حروب اغتيالات اسرائيل على تعاقبها. ولم يكن أحد ممن حلوا محل الأسلاف أكثر اعتدالا من أسلافه: فلم يكن عبد العزيز الرنتيسي أكثر اعتدالا من أحمد ياسين، وليس ضيف بأكثر اعتدالا من أحمد الجعبري، ولم يكن وريث يحيى عياش محمود عباس. ولم يولد بعد الاغتيال الذي غير المواقف الى أحسن. علقت اسرائيل فقط في حزامها جماجم اخرى إيهاما بالنصر، ولم تُصب شيئا من ذلك سوى سفك الدم وشهوة الانتقام ومشاعر الكراهية. لكن لماذا تتعلم اسرائيل من ماضيها؟ إن هذا منطقي ومطلوب جدا.
علقت هذه الحرب باسرائيل وغزة مثل بقايا عِلْكة ممضوغة لا تترك النعل، وهي تأبى أن تنفصل عنهما. فنحن لا نرى نهايتها ولا نهاية لها. وقد أطال الاغتيال أول أمس أيامها فقط. ولا يعلم أحد ما هي الشروط التي وافق عليها وفد اسرائيل في القاهرة، فهذه مسألة غامضة بصورة خاصة، ولا يعلم أحد ايضا ماذا رفض. والانطباع الذي ينشأ من وراء حجاب الدخان هو أن اسرائيل لم توافق على منح غزة الكثير إن منحتها أصلا، وأن حماس ردت لخيبة أملها باطلاق القذائف الصاروخية.
توجد ايضا سيناريوهات (متخيلة؟) اخرى كذاك الذي يرى أن اسرائيل رأت فرصة اغتيال ضيف، ولهذا نكصت عن اتفاقاتها كي تمهد لأم كل صور النصر. لكن ما الذي أصابته من كل ذلك؟ لا شيء. فلا هدوء بل ولا صورة نصر متوهم بل دما وانتقاما آخرين فقط.
( هآرتس 22/8/2014 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews