مستقبل المسيحيين في الشرق الأوسط
بعد مرور أكثر من ثلاثة أعوام على ثورات الربيع في العالم العربي، بات واضحاً أن التيارات الإسلامية في الشرق الأوسط بدأت تعزز من دورها السياسي وغير السياسي ، وهي التي كانت تُحَارب ويضيق عليها ،وها هي تُشكل ، اليوم ، مصدر قلق وخوف لدى قطاعات واسعة من الشعوب العربية حول الطريقة والأسلوب الذي ستحكم به هذه التيارات إن قدر لها الوصول إلى دفة القيادة .
ومما زاد من حالة القلق ، دخول المتطرفين الإسلاميين ( أو من يدّعون الإسلام من الإرهابيين) إلى اللعبة ، حيث يدعون إلى إنشاء الخلافة الإسلامية ويقتلون بإسم دين الإسلام كل من يقف في وجه دعوتهم ، ومن هنا ، يصبح السؤال مشروعا عن مصير الأقليات، والمسيحيين على وجه الخصوص في عالمنا العربي .
إنهم مسيحيو الشرق الذين ولدت الديانة المسيحية بمعية أجدادهم ، والذين يُعدّون اليوم أقلية بسبب النزاعات والحروب التي شهدتها وتشهدها المنطقة .
إن مسيحيي الشرق الأوسط هم من بناة هذه المنطقة ، ومن المتجذرين فيها ، تعايشوا بسلام ولقرون طويلة مع الجميع وخاصة أصحاب الديانتين السماويتين : الإسلام واليهودية ، غير أن عوامل عديدة دفعت بأكثريتهم إلى الهجرة منها : الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي كانت قبل وبعد الحرب العالمية الأولى، حيث هاجر نتيجتها آلاف المسيحيين من بلاد الشام إلى أميركا اللاتينية والشمالية، ثم جاءت النكبة واحتلال فلسطين على أيدي الحركة الصهيونية وما نتج عنه من تهجير مبرمج للمسيحيين الفلسطينيين من أرض المسيح، كذلك الحرب التي دارت لسنوات طويلة بين شمال السودان المسلم وجنوبه المسيحي والتي انتهت بتقسيمه، ولا ننسى الحرب الأهلية اللبنانية التي اشتعلت في عام ١٩٧٥، وبعدها احتلال العراق من قبل القوات الأميركية ، والتي نتج عنها استهداف المسيحيين في العراق على أيدي الجماعات الإرهابية، ثم كانت المواجهات المتعددة التي وقعت في مصر بين المسلمين والأقباط والتي تردد أن أنظمة رسمية كانت تعمل على إذكائها .
وها نحن اليوم نشهد هذا التحريض على المسيحيين المتواجدين في سورية ، والعمل الدؤوب من أجل تهجيرهم من قبل الجماعات الإرهابية وعلى رأسها (داعش) التي ادعت أنها تحارب النظام السوري بينما ثبت أن لها أهدافا أخرى متطرفة ، حيث تناصب كل من يخالف نهجها العداء بزعم أن كل ما تريده هو حكم الإسلام ، والإسلام منها براء .
ونشهد في هذه الأثناء حملات التهجير المستمرة لمسيحيي العراق وتحديداً في الموصل من قبل داعش إياها ، حيث خير هذا التنظيم مسيحيي الموصل : إما الإسلام، أو دفع الجزية، أو مغادرة المدينة الأمر الذي دفع أغلب سكان الموصل من المسيحيين إلى المغادرة صوب إقليم كردستان وبخاصة إربيل، وهذا يُعدّ وصمة عار في تاريخ العرب وجريمة بحق الإسلام الحقيقي الذي دعا إلى السلام والمحبة والعيش المشترك .
إن ما يجري في منطقتنا ليس بمحض الصدفة ، وإنما هو مخطط مدروس لتهجير المسيحيين من منطقة الشرق الأوسط : هو مخطط تدعمه وتغذيه وتموّله جهات اقليمية ودولية هدفها خلق أكبر قدر ممكن من معطيات التمزيق والتفريق ، ولا يجوز أن ننسى بأن المطلوب هو تفتيت النسيج الوطني للدول العربية خصوصاً تلك المحيطة بفلسطين ، وتحويله إلى دويلات : مسيحية، سنية، شيعية ودرزية متناحرة ومتناثرة، وإغراء أغلبية المسيحيين بالعيش في أوروبا وأميركا حفاظاً على حياتهم وكل ذلك يصب في المصلحة الاسرائيلية ، فكلما ضعفت الدول التي تجاورها كلما قلَّ الضغط عليها وقلت نسبة التهديدات التي تحيط بها .
هكذا يُقرأ المشهد ، أو لعل ما يجري ليس سوى من تداعيات قدر هذه المنطقة ، التي كان المسيحيون فيها ولا يزالون حدائق نابضة بالحياة والتنوع والحب .
د . فطين البداد
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews