أطفال يهاجرون إلى أمريكا بحثا عن آبائهم
كارين لوبيز لم تر والدتها منذ أن كانت طفلة صغيرة. لكن عندما ظهرت العصابات في قريتها في السلفادور مطالبة بأموال حماية، وحين قُتِل شابان أمام منزلها بسبب عدم الدفع، قررت أن الوقت قد حان للعثور عليها.
كان ذلك يعني قيام كارين برحلة خطيرة عبر جواتيمالا والمكسيك لمحاولة الوصول إلى الولايات المتحدة، إلى ماريلاند، للانضمام إلى والدتها، المهاجرة غير الشرعية.
كارين تبلغ من العمر 14 عاماً. والأرقام القياسية لأطفال مثلها من أمريكا الوسطى يقومون بهذه الرحلة، بفرصة من الأمل الذي يتحطم في كثير من الأحيان، لا تُظهر أي علامة على التراجع.
انطلقت كارين وشقيقتها البالغة من العمر 12 عاماً، ومع كل منهما مبلغ 800 دولار أرسلها جدهما، الموجود في الولايات المتحدة أيضاً. لكن هذا مجرد جزء مما يصل إلى سبعة آلاف دولار يتقاضاها المرشدون المجردون من المبادئ في كثير من الأحيان - يسمّون مرشدين أو مهرّبين - الذين يتم التعاقد معهم لإيصال الأطفال والمراهقين المهاجرين إلى الشمال.
قالت، بنوع من التسليم والأمر الواقع بخبرتها بشؤون الحياة وهي تتحدث عن مدى السرعة التي اضطرت فيها للنضج: "قبل مغادرة السلفادور، يخبرنا أحد المرشدين بما يجب القيام به، كيف نتجاوز جواتيمالا، وعن جميع الحافلات التي يجب أن نأخذها، وأين ننزل حتى نتجنّب الشرطة".
على الرغم من الوضع الذي يدعوه الرئيس باراك أوباما "حالة إنسانية عاجلة"، فإن التدفق لـ 47 ألف طفل يسافرون وحدهم الذين يظهرون على عتبة الولايات المتحدة هذا العام، أدى ببساطة إلى تصلّب موقف الجمهوريين ودفن خطط البيت الأبيض من أجل إصلاح أكثر شمولاً.
مثل كثير من المهاجرين الأطفال الآخرين، كارين اعتبرت احتمال إصلاح قانون الهجرة بمنزلة دعوة مفتوحة لمجرد الظهور على الحدود وسيتم السماح لها بالدخول. تنهدت قائلة "ذلك الإصلاح انتهى الآن".
عدد الأطفال دون مرافقين الذين تم اعتقالهم في المكسيك حتى الآن هذا العام يصل إلى 10 آلاف - تقريباً بقدر ما كان عام 2013 بالكامل. يقول مسؤولون من المكسيك، إنه على الرغم من الوعود السياسية والمناقشات على مستوى رفيع من تكساس إلى تيجوسيجالبا، يبدو أن الرقم سيرتفع ليصل إلى 16 ألف شخص هذا العام. ويتوقع مسؤولون في الولايات المتحدة أن يصل إلى 60 ألفاً، وهي زيادة تصل إلى عشرة أضعاف منذ عام 2011.
بالنسبة للمهاجرين الأطفال، غالباً ما يعني ذلك العبور من جواتيمالا إلى المكسيك على عوّامات، أو أن يتم تركهم من قِبل المهربين، أو الاضطرار لمفاوضة الخطر على أيدي عصابات المخدرات الذين يعتبرون الأطفال مجرد منتج آخر للمتاجرة.
في الوقت نفسه، المعابر الحدودية السرية تنطوي على درجات حرارة مرتفعة وسباحة متعبة عبر نهر ريو جراندي (الذي يُسمى بجدارة ريو برافو - النهر الصعب - في المكسيك) مع وجود طائرات الهليكوبتر التي تقوم بدوريات في سماء المنطقة.
رحلة كارين - التي تضمنت نحو 50 حافلة، وسلسلة من الرشا للشرطة ومسؤولي الهجرة، والخوف من إجبارهم على النزول من الحافلة تحت تهديد السلاح وسرقتهم بعد مسيرة طويلة في الغابات - وصلت إلى نهاية مفاجئة عند نقطة تفتيش للشرطة في المكسيك.
هي وشقيقتها الآن في ملجأ للقاصرين المهاجرين دون مرافق في رينوسا على الحدود المكسيكية الأمريكية - الوجهة التي يحلمون بها قريبة جداً، وبعيدة جداً أيضاً. المهاجرون من أمريكا الوسطى الذين يتم اعتقالهم في المكسيك ينتظرون هناك ليتم ترحيلهم، والقاصرون المكسيكيون الذين ينجحون في العبور "إلى الجانب الآخر" ينتظرون هناك ليتم إرسالهم إلى بلدهم. على الجانب الأمريكي، يكتظ الأطفال في الملاجئ مثل السردين وينامون تحت أغطية منظمة الصليب الأحمر الأمريكية.
تقول كارين، التي تقضي أيامها محبوسة في الداخل تشاهد برامج التلفزيون التافهة مع فتيات أخريات من اللواتي حلمهن الأمريكي، مثل حلمها، قد تحطم: "أردت الذهاب بسبب المشكلات الموجودة في بلادنا. لم يكُن لديّ أي خيار، لكني لن أقوم بالمحاولة مرة أخرى".
من بين فقراء أمريكا اللاتينية، غالباً ما يكون توجّه الآباء أو الأشقاء إلى الولايات المتحدة للعمل وإرسال النقود إلى بلادهم هو القاعدة الأساسية. لا يوجد إحساس بالمرارة - لترك الأطفال وراءهم، إنها الحياة تماماً. لذلك بالنسبة للكثيرين، الأمر لا يتعلق بما إذا كانوا هم أيضاً سيحاولون الذهاب إلى الشمال، لكن متى. لقد تشجع العديد، مثل كارين، من رؤية أصدقائهم ينجحون في إبعاد أنفسهم عن الفقر في جواتيمالا، أو العصابات مثل عصابة ماراس الموسومة في السلفادور، أو معدلات جرائم القتل في هندوراس التي تعتبر الأعلى في العالم.
هؤلاء الأطفال شجعان، لكن الرسالة من الولايات المتحدة صريحة: اذهبوا إلى وطنكم ولا تعودوا. في بعض المدن، قام السكان بتنظيم احتجاجات كما تقوم السلطات الأمريكية بإطلاق حملة إعلانية باللغة الإسبانية مع تحذيرات من المخاطر التي قد يواجهونها على صور لآثار أقدام في التراب - تعبيرا عن عبور الحدود إلى المجهول الذي لا يذهب إلى أي مكان.
قد تكون آثار الأقدام المذكورة تعود إلى جيلبيرتو راموس، الطفل البالغ من العمر 15 عاماً من جواتيمالا، الذي تم العثور على جثته الشهر الماضي في الصحراء القاحلة على بُعد ميل فقط من تكساس، وهو لا يزال يرتدي المسبحة الوردية البيضاء التي وضعتها والدته المريضة حول عنقه عندما غادر المنزل. قضية جيلبيرتو سببت صدمة عندما قال مسؤولون في البداية إنه ربما يكون في الحادية عشرة من عمره فقط، لكن هناك أطفال أصغر من ذلك بكثير يسافرون أيضاً. كان كيفين روس ذو الوجه الطفولي، وهو مكسيكي يحاول الوصول إلى والديه في أركانسو، يرافق أخويه اللذين يبلغ عمرهما 12 عاماً وستة أعوام عبر الحدود، لكن الشرطة اعتقلتهم. أخواه الآن يوجدان في ما يشبه دار أيتام وكيفين في ملجأ رينوسا. في ملجأ مكسيكي آخر في ماتاموروس، وهي نقطة عبور عتيقة بشكل مثير للدهشة على بعد نحو 50 ميلاً، يوجد طفل اسمه كيلفن، وهو أصغر الموجودين سناً، حيث يبلغ عمره تسعة أيام فقط، لكن والدته جلوريا أفيلا، من جواتيمالا، تقول إنه من الناحية القانونية مكسيكي بالولادة، "فإن فكرتي هي البقاء هنا الآن" ثم إحضار بقية العائلة حين تتوافر لديها الوثائق. أما كارين، التي تشعر بأنها ستذهب إلى وطنها، لكن دون عائلة ودون مستقبل، فإنها تشعر بأنها تعرضت لعملية نصب. وتقول ببساطة: "لقد وُلدنا بحظ سيئ".
( فايننشال تايمز 8/7/2014 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews