بالصور : معاناة الصياديين في بحر غزة
جي بي سي نيوز- "اللقمةُ المالحة" هكذا يصفُ صيادو غزة عملـَهم ومصدرَ رزقِهم الوحيد لكنَّ أيديَ الاحتلالِ الممتدةَ اليهم شتت شملهم وقطعت أرزاقهم وأرغمت أغلبيتـَهم على هجرِ البحر، ليضافَ عددُهم إلى عددِ العاطلين عن العمل.
وعلى سفينته المترنحة التي تملؤها ثقوب الأعيرة النارية من أسلحة قوات الاحتلال؛ يقف الصياد علاء العاصي الذي يعمل في بحر غزة منذ 20 عاماً يروي لنا تفاصيل حكايته وفصول معاناته. يقول: "أنا أعمل صياداً منذ سنوات، منذ أن كنت في الخامسة عشرة من عمري".
مهنة ورثناها وسنورثها
ويقول العاصي كان أبي صياداً، وكذلك جدي، لقد أمضيت نصف عمري في البحر، لكننا نواجه مشاكل يومية بسبب زوارق الاحتلال: "إنها تلاحقنا يومياً، ويطلق الجنود باستمرار أعيرتهم النارية باتجاه قواربنا، إنهم يريدون أن يجبروننا على التوقف عن عملنا".
علاء العاصي الذي لا يعرف مهنة غير الصيد رغم مشاكلها وأخطارها التي لا تنتهي، تبلغ طول سفينته التي ورثها عن والده 20 متراً، وسيورثها من بعده لأبنائه ليحافظ على مهنته ومهنة آباءه وأجداده.
ميناء غزة التي تستيقظ قبل الفجر، حيث يعرض الصيادون ما اصطادوه ليلاً، ثم يتجمع التجار لشراء الأسماك، ليأتي بعدهم دور الصيادون، الذين قضوا ليلتهم في بيوتهم، ليبدءوا بتحضير شباكهم لصيد صباح اليوم التالي.
ويبدأ الصياد رحلته المعبدة بالصعوبات من تعبئة خزان سفينته بالوقود وفي حال عدم توفره بسبب أزمة المعابر التي تعصف بقطاع غزة بين الفينة والأخري وعليها يلغي الصياد رحلته قبل أن تبدأ، ويبين العاصي أنه يصطحب معه على قاربه طاقماً من سبعة لرجال والأولاد، بينهم محمد13 عاماً، وعلي 18 عاماً، اللذان يمارسان معه الصيد بانتظام.
محمد الذي فضل مهنة الصيد على الدراسة في المدرسة، وأضاف بابتسامة عريضة رسمت على وجنتيه السمراوتين: "منذ كنت صغيراً أردت دوماً أن أكون صياداً".
لا أريد الضرر لقاربي
بينما كنا نبحر من ميناء غزة باتجاه الغرب، أخذ علاء العاصي يصف القيود التي تفرضها قوات الاحتلال عليه وعلى جميع الصيادين الذين يحاولون كسب قوت يومهم قائلاً: "في حال أبحرنا في نطاق أقل من أميال المسموحة لنا، فإننا قد نكون في مأمن ولكن في بعض الأحيان يتعدون علينا خلالها".
ويشير العاصي ورذاذ البحر يتطاير على وجهه "أنا لا أريد أن يلحق الضرر بقاربي، لذلك ألتزم في المساحة المحددة لنا رغم أن في اتفاق الهدنة التي تمت بين الفصائل الفلسطينية من جهة والاحتلال من جهة أخري تحت رعاية مصرية عقب معركة الأيام الثمانية نهاية عام 2012 تم تمديد المساحة إلى ستة أميال ولكن الاحتلال لا يعترف على أرض الواقع إلا بثلاث أميال".
ويتابع الصياد العاصي مستدركاً كلامه لـ"جي بي سي نيوز": "بعض الصيادين يخاطرون بحياتهم وبقواربهم ويبحرون لأكثر من ثلاثة أميال، في سبيل إلقاء شباكهم في مناطق غنية بالأسماك في المياه العميقة من أجل صيد يحرز أكثر"، مبيناً بأن الاحتلال في هذه الحالة يطوق القوارب ويطلقون النيران باتجاهها، ومؤخراً بدأ يستعمل المدافع المائية لمهاجمتهم بها.
ويكشف العاصي عن عادة غالباً ما يمارسها الصيادون عندما يبحرون فإنهم غالباً ما ينطلقون في مجموعات، وتبقى بعض السفن قريبة من بعضها البعض إلى حدِ ما عند نهاية الأميال المسموح بها وذلك بهدف الحماية المتبادلة بين هذه السفن.
فيلم أكشن
وقبل أن نبتعد لمسافة الثلاثة أميال داخل البحر، رأينا ثلاثة زوارق تابعة للاحتلال تسرع باتجاهنا، كنا بين مجموعة من حوالي عشرة قوارب صيد فلسطينية كانت قد تفرقت تدريجياً في البحر وألقت بشباكها.
ثم بدا وكأننا على أعتاب مشاهد حقيقية من فيلم أكشن، حيث قلق أفراد الطاقم المتواجدون على ظهر سفينة علاء من اقتراب زوارق الاحتلال ودورانها حول السفن المنفردة بسرعة عالية، متسببة في حدوث أمواج كبيرة تلتطم في السفن، ثم رأينا إحدى السفن تحت مرمى المدافع المائية من أحد البوارج، علق أبو محمد، أحد أفراد الطاقم، قائلاً: "نهاجم يومياً، لن تصدقوا الوضع الذي نواجهه، حتى ترون بأعينكم".
من جهته، يقول الصياد هاني العاصي ابن عم علاء أثناء اقتراب سفينته من سفينتنا أن جنود الاحتلال يستخدمون المياه القذرة، التي من الممكن أن تكون مياه ملوثة، لقذفها بقوة عالية مستخدمين المدافع المائية.
ويواصل حديثه وصوته يتهدج مع كل موجة ترتطم بقاربه "إن جنود الاحتلال يفعلون ذلك لإجبارنا على الرجوع إلى الشاطئ، رغم أن للصيادين الحق المطلق في ممارسة الصيد قبالة سواحلهم.
إحدى زوارق الاحتلال أسرعت باتجاهنا، مستخدمةً مكبر الصوت لتأمرنا بالتقهقر إلى الوراء، فنحن الآن نقف عند نهاية الأميال المسموح بها للصيد، وهنا رفض علاء أن يروع بالتهديد.
استمر الطاقم في العمل بهدوء، بينما كانت البارجة تحوم حولنا بسرعة عالية وبينما كان قاربنا يتأرجح باهتياج، وعندما بدأت قوات الاحتلال بإطلاق النار في المياه من حولنا، باستخدام رشاش سفلي، أدار علاء سفينته للعودة إلى غزة قائلاً: "كل ما نريده هو الصيد لإعالة أسرنا، إننا لا نرتكب أي جرائم، على عكسهم".
المال يعادل الروح
صياد آخر هو يوسف العامودي الذي يبين أن وجود مجموعة صغيرة من مراقبي حقوق الإنسان الدوليين من حركة غزة حرة قد ساهم في تحسين الوضع قليلاً للقوارب التي يصحبها الدوليون، مضيفاً: "نحن نريد أن نتمتع بحقنا في العمل دون التعرض يومياً للمضايقة والعنف اللذين تمارسهما قوات الاحتلال".
وينوه العامودي أن "المال يعادل الروح" عند الصيادين، خاصة وأن المئات منهم لم يسددوا أقساط ثمن المراكب التي يعملون عليها في البحر، مضيفاً "بعض الصيادين باعوا جزءًا من ممتلكاتهم لشراء مراكب وشباك للصيد، وقد تصادرها بحرية الاحتلال في أي لحظة".
وحسب قوله، إن الاحتلال يحتجز مراكب الصيادين أشهرًا طويلة، وقد يمتد الأمر سنوات بعد مصادرتها، وحين يفرج عنها يسلمها دون "مواتير"، قد يصل ثمن "الماتور" الواحد إلى أكثر من عشرة آلاف شيكل، ما يزيد أعباء هؤلاء الصيادين.
العامودي أوضح أن هذه الأزمة التي يعانون منها والتي تواجه مجال الصيد هي جزء من الحصار والإغلاق العام الذي تفرضه قوات الاحتلال على قطاع غزة منذ أكثر من ثماني سنوات.
استزراع سمكي
وفي الآونة الأخيرة رفع الاحتلال سياسة المنع والمضايقات مع الصياد الفلسطيني مما دفعه إلى إنشاء برك صناعية لاستزراع السمكي، لتعويض النقص في الإنتاج السمكي في الأسواق المحلية.
وعن ذلك بيّن وكيل برك الشاعر لاستزراع "سمكة الدنيس" وصاحب مسمكة المرسي محمد أبو حصيرة، أنهم لجئوا إلى طريق زراعة الأسماك لسد حاجة السوق الغزي منه, خاصة في ظل المضايقات التي يمارسها الاحتلال في بحر غزة مما يقلل من كمية السمك المصطاد منه.
أما الصياد الأربعيني موسى الرشيدي الذي ترك مهنته الأساسية التي عمل بها لسنوات طويلة، يشير إلى أن استمرار مضايقات الاحتلال على الصيادين وتحكمهم بمساحة الصيد التي لا تتجاوز في الواقع عن 2 ميل وليس ثلاثة ميل كما يُقال, ومن ثم يبداً الطراد بعدها في اطلاق النار علينا, مما يؤدي إلى عدم استقرار في عائدنا المادي, هذا ما دفعني الى ترك الصيد والإكتفاء بشراء السمك من الصياديين والمزارع وبيعه".
من جهته، اتهم رئيس جمعية التوفيق التعاونية لصيادي الاسماك محمود العاصي الاحتلال بأنهم يختلق دوماً الأسباب لعرقلة الصيادين عن عملهم خاصة في موسم الصيد الذي يبدأ في مايو/أيار وينتهي في ديسمبر/ كانون أول وفي حال حدوث أي تصعيد فإن المتضرر الأول منه يكون الصياد.
وقارن العاصي حالهم قبل خمسة عشر عاماً، بأن صيادو قطاع غزة كانوا يجرون في شباكهم نحو 3000 طن من الأسماك الطازجة سنوياً، ولكن منذ اندلاع انتفاضة الأقصى، انخفضت الإنتاجية بسبب زيادة الهجمات التي تشنها قوات الاحتلال.
أما الآن، فيصل الإنتاج السنوي من الأسماك الطازجة التي يصطادها الصيادون إلى أقل من 500 طن، فضلاً عن ذلك، يتم إجبار الصيادين الغزيين على الصيد بشكل مستنزف في المياه الضحلة على مسافات قريبة من شاطئ غزة حسب تعبيره.
سبع أشكال موت
من ناحيته، أكد نقيب الصيادين نزار عياش أن هناك العديد من الانتهاكات التي ارتكبها الاحتلال بحق الصيادين منذ إبرام التهدئة، مبيناً أنها تنوعت ما بين سبع أشكال من الموت وهي الملاحقة، وإعطاب مراكب وتدميرها كاملًا في عرض البحر، ومصادرة أخرى، واعتقال صيادين والاعتداء عليهم سواء بالنيران أو بالمدافع المائية والتي انتهت بالموت كما حدث مع صياديين كثر استشهدوا أثناء عملهم.
ويردف عياش قائلاً: "بغض النظر عن المسافة التي يبحرها صيادو قطاع غزة، يبقى جميع الصيادين معرضون للخطر، مطالباً المنظمات الدولية بالعمل على الضغط على الاحتلال؛ لإلزامه بعدم التعرض للصيادين المفروض عليهم حصار بحري منذ سنوات، ووقف الانتهاكات اليومية بحق هذه الشريحة التي تبلغ قرابة (3700) صياداً، يملكون نحو (700) مركباً، يعتاش من ورائهم ما يقرب (70.000) مواطناً.( المصدر : محمد السنوار - غزة )
شاهدوا الصور :
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews