ليبيا في قبضة عقيد جديد
يبدو أن قدر ليبيا مع العقداء طويل، فبعد العقيد المقتول معمر القذافي الذي جثم على صدر ليبيا 40 عاما، يبرز اليوم عقيد جديد هو خليفة حفتر، الذي رقى نفسه لرتبة لواء، ربما تأسيا بالفريق المصري عبد الفتاح السيسي الذي رقى نفسه إلى رتبة مشير.
هذا العقيد الذي يبلغ 71 عاما من العمر يعتبر "لغزا" في نظر الكثيرين، فهو على غرار السيسي "تحرك استجابة لمطالب الشعب"، وأعلن حربا لا هوادة فيها ضد "الإسلاميين الظلاميين"، لتحرير ليبيا من قبضتهم، وهو يضع بذلك البلد في قلب الجحيم بعد أن كانت على شفير الهاوية.
هذه التحركات الخطيرة للعقيد حفتر تعني انزلاق ليبيا إلى حرب أهلية ساخنة بعد أن كانت تعيش فيما يشبه "حربا باردة" منذ اقتلاع نظام القذافي، فليبيا ممزقة بين المدن والأقاليم والقبائل، وهناك صراع على كل المستويات، خاصة من قبل القبائل التي كانت تؤيد القذافي، ولا تزال تؤيده حتى الآن، وهي القبائل التي صنعت أجنحة عسكرية "مليشيات" كأدوات للقوة في مواجهة القبائل الأخرى.
السير نحو حرب أهلية دامية في ليبيا يبدو مرجحا، لأسباب عديدة أهمها، وجود كميات كبيرة من السلاح في أيدي الناس، ومحاولة بعض القوى والقبائل فرض إرادتها بالقوة المسلحة، ووجود أطراف خارجية وقوى إقليمية لها مصلحة بتفجر الأوضاع هناك، إضافة إلى تعثر المسار السياسي، وفشل النخب الليبية بوضع أسس لمؤسسات للحكم والإدارة في بلد كان يقوده "الزعيم الفرد" بدون أي مؤسسات حقيقية، وهو ما يعني عدم وجود حكومة قوية قادرة على السيطرة على البلاد، وفرض سيطرتها على الأرض.
العقيد خليفة حفتر المدعوم قبليا يحاول نقل الصراع في ليبيا إلى مرحلة جديدة ستكون مدمرة، فهو يعلن الحرب على الإسلاميين، وينسى أن هؤلاء الإسلاميين هم الذين خاضوا المواجهات المسلحة والمعارك ضد نظام القذافي، وهم متمرسون في القتال ولديهم خبرات واسعة ومدعومون قبليا أيضا، وهم لهم قصب السبق في تخليص ليبيا من العقيد القذافي، بمساعدة عسكرية رئيسية من فرنسا وبعض القوى الغربية والعربية، وللمفارقة، فإن هؤلاء "الإسلاميين الليبيين الظلاميين" تحالفوا مع الناتو "حلف شمال الأطلسي"، والمؤكد أن حفتر، وامتداداته القبلية، لن يكون قادرا على التغلب على الإسلاميين وامتداداتهم القبلية، مما يفتح الباب أمام حرب قبلية وميليشاوية طويلة الأمد في ليبيا.
هناك خلفيات لابد من ذكرها للعقيد حفتر أو "العقيد اللغز"، وهي أنه متهم بالعمالة للمخابرات المركزية الأمريكية وأن هذه "سي أي ايه" تمكنت من تحريره بطريقة غامضة بعد أسره في تشاد ومنح اللجوء السياسي في الولايات المتحدة، وهو متهم بهزيمة القوات الليبية أمام القوات التشادية. وتعتبره بعض الأطراف لاعبا أساسيا لأمريكا في ليبيا وهو يتمتع بدعمها الكامل، ومارست واشنطن ضغوطاً على الأطراف الليبية من أجل القبول بدور أساسي لحفتر، لأنه يمثّل ضمانة سياسية للولايات المتحدة، ولذلك فهو لا يتحرك منفردا بل يتمتع بدعم قوى خارجية، لكن علاقاته مع الأمريكيين شكلت نقطة الضعف التي أوهنت وجوده على الساحة الليبية، وتم اعتباره أنه يعمل في ليبيا على طريقة "الكونتراس" التي دربتها أمريكا لإسقاط نظام الحكم السانديني في نيكاراغوا.
هناك العديد من الأطراف، الإقليمية والدولية، التي تلعب في الساحة الليبية، وترغب بزجها في حرب داخلية تأكل الأخضر واليابس، في محاولة لبناء "نظام حكم مشابه" للدولتين الجارتين لليبيا وهما مصر والجزائر، وهناك من يدفع باتجاه الحرب كراهية بالإسلاميين والثورة والربيع العربي، وهي حرب سيكون لها تداعيات على مجمل البحر الأبيض المتوسط وجنوب أوروبا والجوار الإفريقي.
( الشروق 20/5/2014 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews