لا تزال أوروبا مثقلة بجبل من الديون
اتفق غالبية الخبراء قبل وقت ليس بالبعيد على انه لا يمكن لبلد أن يخرج من أزمة مالية على نحو حاسم، ما لم يحل مشاكل التدفقات النقدية والأرصدة، أي ضمان التدفق النقدي لتغطية الاحتياجات الفورية والتمكن من إدارة رصيدها المدين. ويبدو أن هذه الحكمة التقليدية في طريقها إلى الزوال في أوروبا حالياً. ويغري الأمر باعلان التغلب على مشكلة التدفقات النقدية من دون مشكلة الأرصدة.
إن منطق التدفقات النقدية والأرصدة واضح للغاية. فعلى البلد الذي يعاني من الأزمات انتاج موارد كافية لمقابلة احتياجاته التمويلية الملحة، وبطريقة لا تؤدي إلى تآكل امكانات النمو. وبعد ذلك بقليل أو الأفضل بصورة متزامنة يحتاج البلد إلى اعادة تنظيم دفعيات التزاماته على المدى البعيد بطريقة تتسق مع مقدرته واستعداده للدفع.
وما لم يفعل بلد الأمرين معاً تكون الالتزامات الانتاجية لشعبه أضعف من أن تقود تعافياً اقتصادياً سليماً. كما يصعب أكثر اجتذاب الحجم والنطاق من الاستثمارات الأجنبية المباشرة على المدى البعيد، اللازم كثيراً للمساعدة في دعم النمو والوظائف والرفاهية الوطنية.
واتضحت الحاجة إلى الأسلوب الشامل بصورة جلية خلال أزمات ديون أميركا اللاتينية. وكرست الدول الناجحة الكثير من الجهد لتحسين صورة ايفائها بمستحقات الديون، وضمنت تمويلاً كافياً للطوارئ، وانخرطت في جهود جادة للاصلاح الاقتصادي، كما اعادت تنظيم تركيب عملاتها بصورة أفضل بالنسبة للديون. لكن الأكثر أهمية من كل ذلك هو تخفيضها لحجم التزاماتها التعاقدية. وكانت تلك الجهود فاعلة في إعادة ادماج القطاع الخاص الوطني بطريقة مثمرة واجتذاب استثمارت أجنبية مقدرة. وفعلت الدول الطرفية في منطقة اليورو مثل اليونان والبرتغال، الكثير للتغلب على التحديات النقدية التي واجهتها خلال الأعوام القليلة الماضية، كما حققت تلك الدول أيضاً بعض التقدم في معالجة تحدياتها المتعلقة بالأرصدة، لكن لا يزال هناك ما يجب القيام به.
وإذا نظرنا إلى مثال اليونان، نرى كيف نجحت جهود عدة سنوات في تخفيض العجز وتخفيف حالة عدم الكفاءة، وتحسين التمويل الداخلي بشكل كبير. وصرح رئيس الوزراء اليوناني انطونيس ساماراس في مقابلة مؤخراً قائلاً: «ليس لدينا فجوة في المالية العامة وليس لدينا فجوة في التمويل».
وبدأت اليونان عن طريق تحسينها لخدمة دفع استحقاقات الديون في معالجة تحدياتها المتعلقة بالأرصدة، لكن رصيدها من الديون السيادية لايزال على مستوى 180 في المائة من الناتج القومي الاجمالي، وهو معدل بالغ العلو لبلد يتمنى أن ينمو بسرعة. لو أنها استطاعت فقط خفض معدل البطالة الذي يبلغ 26 في المائة والمؤشر الأكثر خطورة وهو نسبة البطالة وسط الشباب والتي تبلغ أكثر من 50 في المائة. وليس هناك رغبة كبيرة لدى أي من أصدقاء اليونان، سواء كانت المفوضية الأوروبية أو البنك الأوروبي المركزي أو صندوق النقد الدولي أو المانيا، في اثارة موضوع هذه الأرصدة، لا سيما وأن بعض قروضهم قد تكون ضمن ما ذكر من نوع الديون التي يجب اعفاؤها.
وتجنبت اليونان كارثة اقتصادية واجتماعية أكبر بفضل استعدادها للصعود بشجاعة وتوفير تمويل هائل للطوارئ. واليونان مترددة في الرجوع إلى الجهات المالية المستثمرة وذلك مفهوم، إذ عارض الكثير منهم الاقراض في البداية، واقترحت اليونان اعفاء القروض ولو جزئياً. ولا تتوقع قيام المقرضين من القطاع الخاص بإثارة الكثير بشأن ذلك أيضاً، فصحيح أن المقرضين الجدد والمحتملين يكونون في وضع أكثر أماناً في حالة شطب الدين القديم بصورة ما. ولكن مع حل قضايا التدفق النقدي الفوري لليونان وإبقاء البنوك المركزية حول العالم على معدلات متدنية للفائدة، فلا يسعهم إلا الرضا لمقدرتهم على الاستثمار في السندات اليونانية ذات العائد الكبير وفترات الاستحقاق القصيرة. أما المقرضون الأقدم من القطاع الخاص، فعانوا من إعادة هيكلة الديون بشكل عميق.
وعلى الرغم مما يوحي به كل هذا من تطمينات للأطراف التي يتعلق بها الأمر، فإن مجموع التعتيم والتشويش لا يساعد كثيراً في حاجة اليونان لسنوات عديدة من النمو الاقتصادي العالي لتخفيف عبء الدين وجعله أكثر تحملاً. إذن لا عجب إن ألح ساماراس على شركائه في منطقة اليورو بـ«الإيفاء بما عليهم في الصفقة» التي عقدت عام 2102 بإعفاء المزيد من ديون اليونان بمجرد بلوغ ميزانيتها – باستثناء دفعيات الفائدة - مستوى الفائض.
وسيحتاج ساماراس إلى ممارسة المزيد من الالحاح، وقد فقد القادة الأوروبيون والأسواق الأوروبية الشعور بالعجلة. وسيتوقعون منه القيام بما هو أكثر كثيراً مما قام به داخلياً.
( المصدر بلومبيرغ 2014-04-25 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews