موسم الانتخابات العربية
لم تكن الشعوب العربية -إن جاز تسميتها بالجمع - تعلم ، عندما كانت تناضل ضد الاحتلال الفرنسي والانكليزي وضحت بالملايين من أبنائها من أجل الحصول على استقلالها وأمنها وحريتها، بأنها وبعد عشرات السنين من الاستقلال ستكون في مواجهة محتل من نوع آخر أقسى وأشد إجراماً ووحشية.
ففي هذه الأيام نشهد موسم الانتخابات العربية العامر في كلٍّ من مصر وسورية ولبنان ، وأما الجزائر فقد خاضت الانتخابات وصدرت النتائج يوم الجمعة الفائتة.
ولنبدأ من الأخيرة ، من بلد المليون شهيد ، الذين قدمتهم الجزائر في ثورتها المجيدة ضد الاستعمار الفرنسي واستمرت طيلة ٧ سنوات انتهت بإعلان استقلال الجزائر في يوليو/تموز ١٩٦٢ وميلاد الجمهورية الجزائرية.
تولى عبد العزيز بوتفليقة رئاسة الجزائر منذ عام ١٩٩٩ وهو صاحب لقب أطول رؤساء الجزائر حكماً، فعلى الرغم من أن الدستور الجزائري ينص على ولايتين للترشح، إلا أنه وكما جرت العادة في بلداننا العربية، تم تعديل الدستور ليتوافق مع ترشيح بوتفليقة لولاية ثالثة والآن رابعة، رغم تدهور حالته الصحية وصعوبة قدرته على القيام بمهامه كرئيس للدولة.
وعلى الرغم من غياب بوتفليقة عن المشهد الاعلامي والسياسي طيلة الفترة الماضية إلا أنه ظهر خلال فترة الاقتراع على كرسي متحرك وأدلى بصوته ، لكن لم يتحدث إلى أي وسيلة إعلامية.
رغم مرضه وتقدمه في العمر ، يأبى بوتفليقة أن يتخلى عن كرسي الرئاسة ليجعل منه كرسياً متحركاً يناسب كهولته وعجزه.. ثم تأتي نتائج الانتخابات – كما هو متوقع - معلنةً فوزه بنسبة ٨١٪ على المرشحين الآخرين وأبرزهم رئيس وزرائه السابق علي بن فليس الذي اعتبر العملية الانتخابية مزورة وفيها مصادرة لصوت وإرادة الشعب الجزائري.
إذاً ، بوتفليقة يحكم الشعب الجزائري في ولاية رابعة على كرسي متحرك.
أما سورية ، فستشهد انتخاباتٍ رئاسية جديدة في يونيو/حزيران هذا العام ، وسيرشح بشار الأسد نفسه لولاية ثالثة، رغم كل هذا العنف والقتل والدمار والتجويع والتشريد الذي يعيشه الشعب السوري ، وهنا دعونا لا نعوّل على الدستور السوري الذي عُدِّل أساساً ليناسب استلام بشار الحكم بعد وفاة والده حافظ الأسد في عام ٢٠٠١ .
فرغم كل ما يحيط بالأزمة السورية من تداعيات وتدخل جهات خارجية ودولية، وكونها - أي سورية - أصبحت ساحة لمطامع استراتيجية كبرى، ورغم أكثر من نصف مليون قتيل وملايين المهجرين في الداخل والخارج ومئات آلاف المعتقلين والمفقودين، وأن بشار الأسد – على الأقل اعلامياً - أصبح رمزاً للقاتل والمجرم والمستبد، والثورة السورية التي قامت أساساً بهدف إسقاط نظامه والتخلص من الاحتلال الأسدي الذي حكم سورية أكثر من ٤٠ عاماً انتشر خلالها الفساد والقمع والمحسوبيات والنهب والسرقة لخيرات البلاد والعباد ، رغم كل هذا ، يُرشح بشار الأسد نفسه من جديد ليحكم على أنقاض بلدٍ حكما قائما على الدماء والرُكام مطبقاً في هذا شعار شبيحته الذين حملوه منذ البداية : (الأسد أو نحرق البلد).. وها هي سورية محترقة مدمرة تحتاج إلى عشرات السنين ومليارات الدولارات للبناء والتعمير وإلى أكثر من ذلك لتلتئم الجراح وتطيب نفوس من خسر ولداً وأماً وأخاً وزوجاً وعمراً وتعب سنين .
بشار الأسد يرشح نفسه لولاية ثالثة دون أن يكون له منافس من المعارضة، فقد أصدر مجلس الدمى السوري (مجلس الشعب) الذي يحركه الأسد ونظامه مشروع قانون جديد ينص على أن يكون المرشح لرئاسة الجمهورية قد أقام في سورية خلال السنوات العشر الماضية ولا بد أن يحصل على دعم من ٣٥ نائباً على الأقل من النواب الـ ٢٥٠ الذين يضمهم مجلس الشعب، وهذان الشرطان يجعلان من المستحيل على أي مرشح سواء من معارضة الخارج أو الداخل الترشح .
وسط هذا الصمت والتخاذل الدولي تجاه الأزمة في سورية ، فإن النتيجة مضمونة، ونسبة فوز بشار الأسد ستتعدى ٩٠٪ إلا إذا نافسه عليها حافظ الأسد من قبره، وهذه ليست سذاجة أو نكتة لأننا لا نعلم إلى أي مدى سيصل بنا طمع حكامنا فلربما سيحكمون من مقابرهم.
وأما في مصر ، فمع اقتراب ثاني انتخابات رئاسية بعد ثورة ٢٥ يناير/كانون الثاني التي أسقطت حسني مبارك والحكم العسكري في مصر، والتي من المقرر إجراؤها في ٢٦ مايو/ أيار العام الحالي، حيث فاز في الانتخابات الأولى الإخواني محمد مرسي الذي أطاحت به وبتنظيمه ثورة ٣٠ يونيو/حزيران ، ومع استقالة المشير عبد الفتاح السيسي من منصبه كقائد للقوات المسلحة المصرية ووزير الدفاع في ٢٦ مارس/ آذار الماضي وخلعه للزي العسكري وترشحه للرئاسة، ها هو السيسي يحصد شعبية جماهيرية كبيرة في الأوساط المصرية بفعل التجييش الإعلامي غير المسبوق ، وفي حال فوزه المرجح جداً ، فإن مصر تكون قد عادت إلى حكم العسكر مرةً أخرى.
و أمام الواقع الآليم الذي تشهده البلدان العربية الأخرى في انتخاباتها ، فإنه ينطبق على مصر ما ينطبق على المثل المفترض : “ اللي يشوف مصيبة غيره تهون عليه مصيبته " .
فطين البداد
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews