لا مضادات جوية للثوار وزيارة أوباما للسعودية مكانك سر

كنت أود الأسبوع الماضي الحديث عن زيارة أوباما للسعودية ، غير أن ترشح السيسي طغى على الزيارة إقليميا ، لما أثاره ترشحه من أسئلة تحمل أجوبتها في ذاتها ، ولكن كان لا بد من الوقوف عنده .

إلا أن ما يحفز للعودة إلى موضوع الزيارة ،هو ما نسبته رويترز لمسؤولين أمريكيين السبت بأن هناك نية أمريكية لتسليح المعارضة بأسلحة غير فتاكة ، وليس بينها بالطبع أي صواريخ أرض - جو تحمل على الكتف كما تطالب الثورة .

ولا أدري لماذا كلما خبا حماس الثورة السورية لتسلح من أمريكا يخرج مثل هؤلاء للضحك على العالم ، والإيحاء بأن أمريكا تسلح المعارضة .

ماذا تريد المعارضة السورية المسلحة برشاشات تستطيع أن تغتنمها ، وغنمت المئات منها من قوات النظام المجرم ، فطالما كان الحديث يدور عن هذه الأسلحة الخفيفة فإنه لا تغيير على الأرض ، في وقت تقصف فيه كل المدن السورية بطائرات الجناح الثابت والطائرات السمتية التي ترتفع إلى أعلى من مدى المضادات البدائية التي يملكها الثوار ، فتصبح صلياتهم مجرد ألعاب أطفال أمام العلو الشاهق الذي ترتفع به الطائرة حاملة البرميل المتفجر ، أو غيره من وسائل القتل والتشريد الأسدية .

ولعل تصريح هذين المسؤولين يأتي في سياق إسكات الأصوات الغاضبة في الكونجرس أو في المنطقة ، والسعودية أبرزها بالطبع .

وتسرب من لقاء الملك السعودي بأوباما طلبه تسليح فصائل من المعارضة ، وبعد مضي أيام على الزيارة ، يجيء الحديث عن هذا الدعم الخجول ، وغير الفعال ، والمشين .

هكذا تفعل الولايات المتحدة بأصدقائها في عهد أوباما الضعيف وغير القادر على اتخاذ أي قرار يبرز فيه عظمة الولايات المتحدة أمام شعب يقتل بمئات الآلاف ويشرد بالملايين .

الولايات المتحدة والسعودية من أقدم الأصدقاء والحلفاء في الشرق الأوسط ، ويعود تاريخ هذه الصداقة بين البلدين إلى عام ١٩٤٥ عندما زار الملك عبد العزيز بن سعود والد الملك عبد الله الرئيس الأميركي فرانكلين روزفيلت .

إلا أن هذه العلاقة المتينة شهدت تراجعاً ملحوظاً في الفترة الماضية جراء سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط خاصةً فيما يتعلق بالأزمة السورية والملف النووي الإيراني ودعم الولايات المتحدة لجماعة الإخوان المسلمين في مصر.

وجاءت أهمية اللقاء التاريخي بين أوباما والملك عبد الله لمناقشة العديد من المشكلات التي تعصف بمنطقة الشرق الأوسط وخصوصاً الأزمة السورية حيث سعت السعودية منذ عام ٢٠١٢ إلى إسقاط نظام بشار الأسد، وقد ساهمت على مدى العامين المنصرمين بتقديم الدعم العسكري من أسلحة وعتاد إلى المعارضة السورية والمساعدات الغذائية والدوائية إلى اللاجئين السوريين في مختلف المخيمات.

في حين أن أوباما الذي عبّر في أكثر من مناسبة في وسائل الاعلام المختلفة عن وقوفه إلى جانب الشعب السوري في ثورته، وتأكيده على ضرورة رحيل الأسد من أجل بناء دولة سورية حرة ديموقراطية، وهدد عقب استخدام الأسد للسلاح الكيماوي ضد شعبه بضرب المرافق الحيوية للأسد مؤكداً على تجاوز الأخير للخطوط الحمراء، إلا أننا لغاية هذه اللحظة لم نشهد أي فعل جدي يُذكر لأوباما بخصوص رحيل الأسد، حتى بعد صفقة سحب السلاح الكيماوي من سورية، رغم أن تجاوزات الأسد وشركائه ضد الشعب السوري لم تنتهِ ولم تتوقف عن حدود الكيماوي.

لا بل ما زال أوباما يصر إلى اليوم على عدم جدوى الحل العسكري في سورية، على الرغم من فشل مفاوضات جنيف ٢ الذريع .

أما السعوديون فيرون أن لا حل سياسيا في سورية ما لم تتغير موازين القوى على الأرض : ففي حين يستخدم النظام السوري أحدث أنواع الأسلحة وأكثرها فتكاً وتطوراً، معتمداً على دعم روسيا له بالسلاح وإيران بالمال والجيش والخبرات العسكرية وحزب الله بعناصره والمالكي بميلشياته ودولاراته ، فإن المعارضة السورية لا تمتلك أكثر من أسلحة بسيطة غير فتاكة لا تستطيع بواسطتها تحقيق أي نصر أو تقدم حاسم على الأرض، لذلك ، سعت السعودية من خلال هذا اللقاء إلى إقناع أوباما بتسليح المعارضة السورية واتخاذ إجراء حاسم في سورية.

ومن نافلة القول أن الزيارة جاءت لتبديد التوتر الحاصل في العلاقات بين الرياض وواشنطن جراء سياسة الأخيرة مع طهران وتطور العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران التي تُعد عدواً لدوداً للمملكة حيث تسعى إيران مع حلفائها في العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين لتحقيق حلمها في المد الشيعي في المنطقة، مما أشعر السعوديين في تلك الفترة بخيانة واشنطن التي لا تولي هذه القضية اهتماماً، وزاد على ذلك الود الواضح الذي تواصل به الرئيس أوباما مع الرئيس الإيراني حسن

روحاني، وبعد المفاوضات السرية التي أجراها المسؤولون الأميركيون والإيرانيون بشأن برنامج إيران النووي لشهور طويلة في مسقط بعُمان، وليس أخيرا سياسة الولايات المتحدة في مصر بعد ثورة ٣٠ يونيو والإطاحة بالرئيس محمد مرسي، حيث علقت الولايات المتحدة جزءاً كبيراً من مساعداتها للمؤسسة العسكرية في مصر عُقب الحملة الأمنية الدامية بحق جماعة الإخوان المسلمين، تعهدت الرياض وكذلك أبو ظبي في سد هذا العجز في المساعدات، كما دعمت السعودية قرار مصر باعتبار جماعة الإخوان المسلمين " تنظيماً إرهابياً" وأعلنت - أي السعودية - محاربتها للجماعة والإرهاب ورفع أقصى درجات العقوبة لمن تثبت في حقهم جرم الإنتماء للجماعات الإرهابية.

إن المملكة السعودية قد سبق وعبّرت عن هذا التوتر في العلاقات مع الولايات المتحدة وهو الأول منذ الحرب العالمية الثانية، وذلك من خلال موقفٍ واضح في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي عندما رفضت مقعداً في مجلس الأمن كعضو غير دائم كانت قد سعت إليه مراراً.

لقد انفضت الزيارة كما أنها لم تكن ، ليجيء تصريح المسؤولين المذكورين عبر وكالة رويترز ويبشرا بتسليح المعارضة بأسلحة غير فتاكة ليس بينها مضادات جوية ، مما أغضب السعوديين بلا شك .

أي ضحك على الذقون هذا ، وإلى متى سنظل - كعرب - حالمين وكرماء و " طيبين " نستبدل المضادات الجوية والحيوية بالميرمية وحبة البركة .

ألسنا على " البركة " ! .

د . فطين البداد

 fateen@jbcgroup.tv