أي عوامل وراء نجاح خطة طرابلس؟ بداية عزل محدودة للوضع الداخلي عن سوريا
شكل النجاح الاولي للسلطات في تنفيذ الخطة الامنية في طرابلس بعد ايام فقط على انطلاقها مفاجأة بكل المعايير نظراً الى ارتباط الصراع خلال الاعوام الثلاثة الماضية باعذار لم يكن اقلها ان المدينة تغلي على وقع الحرب في سوريا على رغم ان الجولات القتالية سابقة لانطلاق هذه الحرب في 2011، ولكنها اخذت بعدا سياسيا وطائفيا اكبر بعد انطلاقها. وكانت الاحداث في المدينة تتصدر العناوين في الاعلام الخارجي تحت عنوان فرعي هو ارتدادات الحرب السورية على لبنان علما ان إذكاء هذه الاحداث كان يحصل برعاية من اطراف محليين واخرين بامتدادات خارجية. والسؤال الاساسي الآن يتصل بتوقيت نجاح تنفيذ الحسم في طرابلس على رغم خطط كثيرة اعدت للسيطرة على الوضع في المدينة وفشلت في الاعوام الماضية. وعامل المفاجأة يكمن في رفع الغطاء السياسي عن المتورطين من طرفي القتال في رسالة يرغب كثر في ان تكون معبرة عن امكان او ارادة ما في عزل الوضع اللبناني نسبيا والى بعض الحدود عن تداعيات الوضع السوري خصوصا مع ما تم التعبير عنه في اتاحة المجال امام القيادة السياسية في جبل محسن بمغادرة منطقة الشمال ولبنان ككل ما يثير تساؤلات اذا كان سيتم استبدال هذه القيادة في حال اخرج رمزاها لبعض الوقت او ان الخطورة التي اتسمت بها مسألة تفجير المسجدين في طرابلس ومسؤوليتهما المعنوية عن ذلك لم تعد تسمح ببقائهما او ايضا احتمال عودتهما بعد مدة.
وتذهب بعض التحليلات والاستنتاجات في شأن امساك الوضع في طرابلس وتهدئته في اتجاه رمي الكرة في ملعب قوى 14 آذار التي رفعت الغطاء السياسي عبر وجودها في الحكومة عمن كان يلوذ بها وهي في خارج الحكم من خلال الايحاء بان هذه القوى لم تكن تبذل الجهد الكافي لوقف النزف في طرابلس. كما تذهب تحليلات اخرى في اتجاه ربط تنفيذ الخطة الامنية بدقة ورعاية اكبر من الجيش اللبناني باستحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية التي ستحصل قريبا بحيث يفيد ذلك بان الامور تركت الى هذا الحين من اجل ان تكون طرابلس معبرا للفوز بهذا الاستحقاق. فيما راقب البعض تطورات طرابلس في ضوء ما حصل في ريف اللاذقية وانتقال المعركة الى مناطق سيطرة النظام ونقطة ثقل وجوده الطائفي والسياسي قبيل انطلاق تنفيذ الخطة الامنية في طرابلس او تزامنا معها بما يترك علامات استفهام عن صلة ما تدفع في اتجاه تهدئة النظام الجبهة المشتعلة في لبنان والتي يشكل ابناء طائفته احد اطرافها المحركين لها لاسباب تتصل بالجبهة التي فاجأته في اللاذقية انطلاقا من خسارته المعركة في كسب. الا ان مصادر سياسية تدحض كل هذا المنطق انطلاقا من ان قوى 14 آذار لم تكن تشكل حاضنة لقادة المحاور بل على العكس اذ كانت تصر على الحسم في طرابلس وجعلها مدينة منزوعة السلاح في حين كان ثمة حمايات تمنع الوصول الى ذلك بدليل التخلي عن القيادة السياسية في جبل محسن في حين ان تنفيذ الخطة في طرابلس صعب توظيفه في الاستحقاق الرئاسي ما دامت الخطة الامنية هي قرار السلطة السياسية ادارة وغطاء واكبا تنفيذها ووفرا ما كان يحتاج اليه مما يجعل السلطة السياسية شريكة اساسية في هذا المعطى الواقعي وليس حصريا بجهة امنية معينة يتردد ان هذه الجهة كانت تخشى الحسم في طرابلس تخوفا من وقوع مجزرة.
ثمة من يعتقد ان التلاقي الشيعي السني في الحكومة لجهة قرار حصر اضرار تصاعد التطرف وتناميه ومحاولة اخذ المبادرة في لبنان مع المخاطر التي يحملها ذلك في ظل عبور اعداد هائلة من السوريين يعتبر عاملا حاسما نظرا الى ان تيار المستقبل تضرر جدا على الارض من تنامي ما سمي بقادة المحاور في مقابل تضرر "حزب الله" داخليا وخارجيا من ابعاد الاعتدال السني. الا ان ما تعتقد مصادر سياسية انه الاهم في هذا السياق ومحوره توقيت نجاح العملية وتوفير الغطاء السياسي الشامل لها والتوافق الكامل سياسيا مع المواكبة الامنية عن كثب هو توافر الغطاء الاقليمي لاعادة الاستقرار في طرابلس بعدما بلغ الوضع المتفجر حدودا مهددة لكل الافرقاء المرتبطين به او المتأثرين به بحيث ان استمراره لم يعد يشكل نزفا او استنزافا بل قد يؤدي الى تفجير كبير في لبنان تتردد شظاياه على الجميع. وهذا يشمل الفريق السني كما يشمل الطائفة العلوية وامتداداتها في لبنان وسوريا اكان "حزب الله" ام النظام السوري وصولا الى ايران وذلك في الوقت الذي تتلاقى مصالح اكثر من طرف دولي واقليمي على ابقاء لبنان مستمرا باستقرار الحد الادنى.
في أي حال رفع النجاح في تطبيق الخطة الامنية في طرابلس الآمال والتوقعات باحتمال اجراء انتخابات رئاسية في موعدها في لبنان على غرار الامال التي احياها النجاح اخيرا وبعد عشرة اشهر في تأليف الحكومة في ظل تنازلات من الاطراف الاساسيين في البلد. اذ كما برز الافراج عن الحكومة تلاقيا مصلحيا يؤمن استقرار الوضع قد يجد اللبنانيون ترجمة لذلك في تسهيل اجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها على رغم الاقتناع لدى جهات سياسية عدة بان هذه الانتخابات قد لا تتوافر قبل نهاية الصيف المقبل.
(النهار 2014-04-04)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews