أوباما يضغط على أوروبا لدفعها إلى معاقبة موسكو
وصل باراك أوباما إلى مدينة لاهاي الأسبوع الماضي لحضور قمة مجموعة الدول الصناعية السبع مع وفد مرافق كبير و"محصن بالدروع"، في حين كان يتم تصوير مضيفه، مارك روته، رئيس الوزراء الهولندي، راكبا دراجته في طريقه إلى العمل.
صورة روته وهو يقود دراجته، التي انتشرت على تويتر جنباً إلى جنب مع صور الرئاسة المهيبة لأوباما، كانت قديمة لكنها مع ذلك كانت مناسبة لتسهيل المقارنة بين الإسراف الأمريكي والتواضع الأوروبي.
لكن السخرية من أسلوب وصول أوباما تخفي حقيقة غير مريحة، إذ تَجهَد كل من الولايات المتحدة وأوروبا للضغط على روسيا بشأن استيلائها على أراض في أوكرانيا.
بعد أن اشتكى القادة الأوروبيون لسنوات طويلة من الإهمال الأمريكي، يجدون أنفسهم يعانون الآن للتكيف مع اهتمام واشنطن الكامل بهم.
في الأيام الأربعة التي قضاها أوباما في أوروبا، بدا أنه يقضي أوقاتا متساوية لطمأنة الأوروبيين بشأن التزام الولايات المتحدة بأمنهم وتذكيرهم بأن ذلك من شأنه أن يأتي مقابل ثمن.
كانت واشنطن تلقي المواعظ على أوروبا رسمياً لسنوات كثيرة حول خفض الإنفاق على الدفاع. وفي خطاب ألقاه روبرت جيتس في بروكسل في عام 2011، حذر وزير الدفاع الذي كان في سبيله إلى التنحي، من أن الولايات المتحدة "تضاءلت شهيتها وصبرها" من حيث إنفاق الموارد على الدول غير الراغبة في الإنفاق على نفسها.
وكما لاحظ جيتس، كانت الحرب الباردة بالنسبة له تجربة تكوينية، جعلته يفهم بشكل حدسي أهمية حلف الناتو الأساسية للأمن الأوروبي. لكن أوباما إلى حد كبير سياسي من عصر ما بعد الحرب الباردة - كان لا يزال في العشرينيات من عمره عندما هُدم جدار برلين – ومع ذلك رسالته كانت حادة مثل جيتس: لا تتوقعوا من الولايات المتحدة مساعدتكم ما لم تساعدوا أنفسكم.
ولدى رئيس الولايات المتحدة أيضا المواد الخام التي يحتاج إليها لعرض حجته: قوة غزو محتملة تتألف من نحو 40 ـ 50 ألفا من الجنود الروس الموجودين على الحدود الأوكرانية.
وهو يعاني أصلاً مشكلاته الخاصة في بلاده من حيث إقناع الرأي العام بحجته الداعية إلى زيادة الضغط على روسيا، وبعض هذه المشكلات من صنع يديه. والانتقادات الأكثر إقناعاً بخصوص أداء أوباما منذ انتزاع روسيا لشبه جزيرة القرم، هي فشل إجراءاته ـ لم تكن المرة الأولى ـ في الارتقاء إلى مستوى لغته الخطابية المنمقة.
ولتمييز نفسه عن جورج دبليو بوش، كثيرا ما صاغ أوباما السياسة الخارجية الأمريكية باعتبارها خيارا ثنائيا يراوح بين استخدام القوة العسكرية وإبقاء القوات في البلاد.
وبعد سنوات من الصراع في الخارج، ليس هناك شك في المكان الذي تميل إليه قلوب الجمهور الأمريكي. وقد احترم أوباما، بل وراعى هذا الشعور، إلى حد أنه يكافح من أجل إقامة حجة لأي نوع من السياسة الخارجية النشطة.
ويواجه البيت الأبيض عقبات خاصة قادمة من الشركات المحلية، التي تمارس الضغط بهدوء على الكونجرس بشأن الأضرار المترتبة على أوضاعها الأساسية في حالة تم فرض عقوبات قوية.
لكن التكلفة التي ستترتب على الولايات المتحدة جراء فرض عقوبات جديدة تستهدف قطاعات محددة من الاقتصاد الروسي تعتبر محدودة أكثر من معظم الحكومات في أوروبا، ما يعطي أوباما مساحة أكبر للتحرك. والعادات المتبعة في فترة رئاسته الأولى - إدارة تخفيض النفقات في الخارج وخفض ميزانيات الدفاع في الداخل - بدأت تعمل على تقييد صنع السياسات بطريقة تسهم في تحسين صورة التردد والضعف الأمريكي.
إن أوباما ليس على وشك أن يتحول إلى ديك تشيني، لكن كل الإشارات التي بعث بها خلال جولته الأوروبية تشير إلى استعداده للضغط على زعماء أوروبا لاتخاذ موقف أكثر تشدداً ضد موسكو. وكان المسؤولون الأمريكيون على ثقة بعد محادثات في لاهاي، من أن دول الاتحاد الأوروبي على استعداد لفرض عقوبات مكلفة حقاً لإيذاء روسيا، حتى لو كان ذلك على حسابهم الخاص. وكان الشرط الوحيد لذلك هو اتخاذ إجراء متزامن بالإجماع – عقوبات بريطانية على التمويل، وفرنسية على مبيعات الأسلحة، وألمانية على التجارة والاستثمار. عندها فقط سوف تلحق الاقتصادات الأضعف الجنوبية، مثل إيطاليا، بالركب.
ونظراً لعدد الاجتماعات التي دعت الحاجة إلى عقدها في أوقات متأخرة من الليل في بروكسل في الأسابيع الأخيرة لمعاقبة عدد قليل من الأفراد الروس، سيحتاج الأمر إلى جهد هائل لإقناع جميع الأطراف المعنية للتوقيع على مثل هذا الإجراء. لكن الولايات المتحدة يمكن أن تكون حليفاً متشدداً، خصوصاً عندما تكون هيبتها العالمية على المحك.
( فايننشال تايمز 3/4/2014 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews