أردوغان وحظر " تويتر "
يبدو أن أي مسؤول مهما كان حكيماً وناجحاً ، وعندما يتعرض للمساءلة والمحاسبة ، فإنه يفقد توازنه ويبدأ في اتخاذ قرارات عشوائية لا تخدم موقعه ومنصبه والمسؤولية الملقاة على عاتقه.
هذا ما حدث مع رجب طيب أردوغان ، رئيس وزراء تركيا ، ورئيس حزب العدالة والتنمية : فبعد أن كان يملك غالبية مقاعد البرلمان التركي وأحد أهم المسؤولين في العالم الاسلامي، ها هو يتعرض لموجة انتقادات لاذعة بسبب قراره الأخير حظر موقع التواصل الاجتماعي : توتير.
لقد سعى أردوغان منذ بداية استلامه لمنصبه في عام ٢٠٠٣ إلى المضي في المسيرة التي رسمها أتاتورك لتركيا بإقامة مجتمع متحضر ومعاصر ، ولكن في إطار القيم الإسلامية التي يؤمن بها ٩٩٪ من مواطني تركيا .. وقد حقق خلال سنوات حكمه الاستقرار والأمن السياسي والاقتصادي والاجتماعي محققاً مجموعة من المصالحات مع عدد من الدول التي كان بينها وبين تركيا عداء من مثل : أرمينيا واليونان، ومد جسورا من التعاون والعلاقات وفتح أبوابا اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية مع عدد من بلدان العالم، ليغدو اسمه ذا شعبية كبيرة في عموم تركيا وبعض أقطار العالم وليحقق انجازاً تاريخياً لا سيما اقتصادياً ، حيث تعتبر تركيا اليوم مقصداً للاستثمارات المباشرة التي تجاوزت قيمتها ١٠٠ مليار دولار منذ العام ٢٠٠٣ أي منذ تولي أردوغان السلطة .
وفي عهد أردوغان ، وصلت صادرات تركيا إلى ١٥٢ مليار دولار خلال العام الماضي أي عشرة أضعاف قيمة الصادرات التركية قبل توليه السلطة.. ووصلت تركيا في عهده إلى المرتبة ١٧ على قائمة أقوى الاقتصادات في العالم بحسب الأرقام الرسمية الصادرة عن صندوق النقد الدولي.
أما شهرة أردوغان في العالم العربي فقد حققها في عام ٢٠٠٩ في مؤتمر دافوس عندما غادر منصة المؤتمر احتجاجاً على عدم إعطائه الوقت الكافي للرد على الرئيس الاسرائيلي شيمون بيرز بشأن الحرب على غزة، حيث اعتبر منذ ذلك الحين بطلاً وزعيماً كبيراً وقدوة ، خاصة في ما يتعلق بقضية العرب المركزية : فلسطين .
زاد من شعبيته مواقفه من ثورات الربيع العربي وعلى الأخص ثورة الشعب السوري ضد الأسد ونظامه: فعلى الرغم من العلاقة الوثيقة والصداقة المتينة التي كانت تربطه بالرئيس الأسد حيث تم فتح الحدود بين البلدين ورفع تأشيرة الدخول، إلا أن موقف أردوغان منذ بداية الثورة السورية إلى اليوم ، ورغم كل التعقيدات التي تواجه الأزمة السورية ، فإنه كان دائماً إلى جانب الشعب السوري .
وبرغم هذه الشعبية الطاغية التي حظي بها الرجل في الوسط التركي والعربي والإسلامي ، إلا أن المظاهرات مستمرة في تركيا منذ العام المنصرف إلى اليوم ، حيث تتهم أردوغان بالانحراف التسلطي وبالسعي إلى أسلمة البلاد وتطالب بإقالته.
وكما كانت خطابات معظم القادة العرب الذين قامت ثورات ومظاهرات ضدهم في بلادهم ، فقد رد أردوغان على المظاهرات بنفس الإتهامات ، حيث وصفها بالمؤامرة التي تحاك ضد تركيا من قبل قوى في الداخل والخارج .. وكأن كلمة " مؤامرة " مرتبطة بالمنصب القيادي ولازمة من لوازمه.
فرغم غضب أردوغان تجاه المظاهرات والاتهامات الموجهة ضده، وخطاباته الأخيرة الهجومية والغوغائية التي أثرت بشكل كبيرة على صورته، إلا أن ردة فعله الغاضبة تجاه احتجاجات شعبه لا توازي عُشر المئة مما حدث ويحدث في أوطاننا العربية من قبل الزعماء العرب ضد ثورات شعوبها.
لكن قرار أردوغان الأخير بوقف وحظر خدمات موقع التواصل الاجتماعي: توتير، شكل فعلاً صادماً لدى المجتمع التركي ، بدءاً من رئيس تركيا عبد الله غول الذي عبر عن آمله في ألا يستمر هذا الحظر طويلاً معلناً حالة من الخلاف العلني بينه وبين رئيس وزرائه ، وإعلانه عصر الأحد أن قرار الحظر سينتهي في غضون ساعات ، إلى الغضب الشعبي الواسع الذي اعتبر هذا القرار تعدياً على حرياته الخاصة والعامة.
أما المجتمع الدولي فقد تلقى هذا القرار باستنكار بالغ وتحديداً من قبل الدول الأوروبية، نظراً لأن تركيا مرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي بسبب موقعها وتاريخها ، معتبرة - هذه الدول - أن حرية التواصل وحرية اختيار الوسيلة لعمل ذلك شيء أساسي من قيم الاتحاد الأوروبي وأن لوسائل التواصل الاجتماعي دورا حيويا في الديموقراطية الحديثة وقرار أردوغان هو خرق لمبادئ الاتحاد.
إن إصدار أردوغان لهذا القرار الأخير قبل أسبوع واحد من الانتخابات البلدية بغرض حجب أخبار الفضائح ضده وضد حزبه، متحدياً بذلك شعبه والمجتمع الدولي، لن يحقق لأردوغان سوى المزيد من الغضب والمظاهرات وهو أشبه بكرة من نار بدأت تتدحرج وستكبر وترتد عليه ما لم يتراجع ، وكل المؤشرات تقول : إنه سيفعل .
د . فطين البداد
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews