اسرائيل دولة فقدت وجهتها ولديها قيادة تقودها الى لا مكان
طُحنت قضية الحاخام بنتو عندنا طحنا دقيقا لكن أهم جوانبها واكثرها ادهاشا في نظري والذي لم يحصل على تعبير مناسب عنه هو عدد الاشخاص الذين يستهلكون خدمات مجموعة المشاهير الزاهرة في دولتنا لأنه ما كانت هذه الظاهرة لتنال هذا القدر من القوة والاتساع لولا الطلب المتزايد لخدماتها.
والى ذلك تميز ظاهرة الحاخام بنتو ثقافة “الانتهازية في خدمة الحالية” التي شاعت بيننا. انها ثقافة هنا والآن، وعدم التخطيط وعدم وجود محاسبة حقيقية وعدم الحشمة وعدم الاستحياء، الذي يميز قطاعا كبيرا جدا ممن انتخبهم الجمهور ومن العاملين في الحياة العامة وارباب المال الذين بنوا انفسهم بمساعدة عدد من منتخبي الجمهور على اختلاف اجيالهم على السمسرة باموال الجمهور. ويتدفق غير قليل منهم للاستماع الى النصائح السخيفة من مشاهير يتوجون انفسهم على نحو عام بنعت “حاخام” ويبيعون احتيالهم ببنائهم صورة “اصحاب رؤية”. أو بعبارة اخرى كأنهم يتصلون بالله جل شأنه بطرق خفية.
اذا كان هذا يبدو مضحكا أو مبالغا فيه عندكم فسأروي لكم قصة حقيقية تماما. فقد اعتاد وزير محترم جدا في الحكومة السابقة ان يتجه إلي بين آن وآخر حينما كنت رئيس “الشباك” مع تقارير لحاخام مجهول لم يشأ أن يذكر اسمه معروف بأنه “صاحب رؤية” (وهذه هي عبارته). وأوضح الوزير لي أن ذلك الحاخام يستطيع أن يتنبأ تنبؤا دقيقا بنتائج الانتخابات بل أن يتنبأ بالعمليات التفجيرية قبل وقوعها. وفي واحد من تلك اللقاءات الهاذية أطلعني على سر أن ذلك المشهور صاحب التفويض أطلعه على سر “انسان ذي مقاصد سيئة جدا” (وهذه هي عبارته حقا) يتجول “في هذه اللحظات حقا” في تل ابيب، ولا أدري هل اقترح علي أم “أرشدني” الى العمل سريعا لمنع وقوع عملية كبيرة وإلا وقعت المسؤولية علي.
وبعد ان استمعت اليه في شك كبير لكن بالادب الواجب، استقر رأيي على أن اضع روحي على راحتي وألا أستدعي الوحدات الخاصة من جهاز “الشباك” والشرطة والجيش الاسرائيلي لاجراء تمشيط في شوارع تل ابيب.
هنا ينتهي الجزء المضحك من القصة، أما الجزء الذي هو أقل تسلية وهو أن ذلك الوزير المحب للمشاهير كان يجلس في الحلقات الاكثر حساسية في الحكومة التي تتخذ قرارات على الخروج لحروب. وقد أقض مضجعي الاحتمال المعقول جدا في رأيي وهو أن ذلك الوزير طلب مشورة المشاهير في هذه الشؤون ايضا.
ما هي الانتهازية
ليست ظاهرة تدفق ارباب المال والعاملين في الحياة العامة الكبار الى اولئك المشاهير هامشية ألبتة بل هي جزء من الثقافة التي اخذت تنشأ وهي ثقافة “الانتهازية في خدمة الحالية”. ان الانتهازية طريقة عيش تقوم على استغلال فرص عارضة بحسب المصلحة اللحظية. وفي هذه الثقافة فان نصيحة “صاحب رؤية” يتصل كما يزعم برب العالم لا يعدلها الذهب الابريز.
والحالية هي ثقافة “هنا والآن” التي تجعل هدفها الاعلى البقاء الشخصي السياسي، وتجعل مصلحة الدولة هدفا ثانويا نتيجة ذلك. وهي ثقافة تُمكن عددا كبيرا من ساستنا من الاتجاه الى الانتخابات مع “برنامج حزبي بلا برنامج”، ليس فيه شيء في أي موضوع مركزي يفترض أن يكون في برنامج عمل الدولة. وهي ثقافة تستغل منصة زيارة سياسية رمزية لرئيس البرلمان الاوروبي أو رئيس وزراء بريطانيا في الكنيست لتظاهرة فخر وطني ضحل لاجل نيل اعجاب الناخبين في ذلك الحزب أو تنشيء حيلة دعائية حول لجنة وقانون نجحا في أن يفرغا فكرة المساواة في عبء الخدمة من المضمون حقا، تقريبا.
والحالية هي ايضا تجاهل الساسة عن تقديرات سياسية لحظية، لوقائع عنصرية تتم امام أعيننا من قبل زعران “شارة الثمن”. والحالية هي ايضا حالة يرى فيها المركز السياسي السليم العقل كيف يسرقون الدولة من بين يديه ولا يصحو كي تقودها المباديء التي تؤمن بها اكثرية كبيرة في دولتنا.
ان المركز السليم العقل يسلم الدولة الى حزب اجوف ليمين ضحل (الليكود) تحكمه مجموعة هوج متطرفين عقدت حلفا مع حزب “يوجد مستقبل” الذي رفع راية المساواة في العبء وافرغها من المضمون – وحزب البيت اليهودي المتدين – القومي الذي يرى أن وحدة الارض اهم من وحدة الشعب، ومع حزب اسرائيل بيتنا الذي تحدد ايديولوجيته بحسب حاجات شخص واحد، هو رجل سر اثرياء مريبين كبار هرب في آخر نفس من يد القانون القصيرة واصبح منذ ذلك الحين (في ظاهر الامر) باحثا عن السلام المعتدل بين رجال اليمين في الحكومة الحالية. وكلنا نرى بل ان غير قليل منا يدهشون بل يضحكون لهذه المسرحية الهاذية التي تفوق في سخريتها كل برامج السخرية معا.
في نظري وفي نظر كثيرين اتحدث اليهم، هذه دولة فقدت الرؤيا والاتجاه والطريق وشعرت قيادتها الحالية بالأمن العظيم لانها غير مهددة حتى وهي تقودنا الى هاوية سياسية واجتماعية واقتصادية.
خطوط الرؤيا الهيكلية
هل من المعقد جدا تحديد مباديء لرؤيا اجتماعية – سياسية – اقتصادية – امنية يجمع عليها اكثر الشعب، وتكون البوصلة التي تحدد طريق ساستنا؟ أنا اعتقد ان هذا سهل جدا. وساحاول ان اصوغ باختصار ما اسمعه من ناس كثيرين من المركز السياسي في دولة اسرائيل بل من اليسار واليمين غير المتطرفين – ما هي الدولة التي نريدها حقا.
1- دولة ديمقراطية يهودية وسوية لا توجهها ايديولوجيات متشددة من اليمين أو من اليسار.
2- دولة تقوم وحدة الشعب فيها دائما فوق وحدة الارض، وقداسة الانسان قبل قداسة الارض.
3- دولة الحفاظ عليها لا يوجب احتلالا مستمرا لشعب آخر.
4- دولة فيها فصل واضح بين الدين والدولة.
5- دولة تعامل باحترام كل مواطنيها وفي ضمنهم الاقليات فيها، وتحارب العنصرية حربا لا هوادة فيها.
6- دولة تهتم بالضعفاء والفقراء فيها.
7- دولة لا تستمر على دعم اولئك الذين لا يحملون العبء.
8- دولة لا تُمكن الجريمة المنظمة من الهياج في شوارعها.
9- دولة ترى في استثمارها في التربية والثقافة قيمة رفيعة وقضية أمن قومي.
10- دولة قوية جدا من جهة أمنية قادرة على ردع أعدائها والباحثين عن الاساءة اليها لكنها في الوقت نفسه تسعى بالاعمال – لا بالخطب الفارغة فقط – الى السلام مع جيرانها.
11ـ دولة مقبولة مقدرة في أسرة الشعوب لكونها اخلاقية وذات قيم ومستنيرة ومتقدمة.
وبحسب تقديري الشخصي توجد في الدولة اكثرية كبيرة تقبل هذه المباديء باعتبارها بوصلة اجتماعية – اقتصادية – سياسية – امنية.
فتعالوا اذا نسأل انفسنا بأبسط صورة: هل يعتقد أحد منا أن هذه هي الوجهة التي يأخذنا اليها الاحزاب والساسة الذين اخترناهم ليرأسونا؟.
اعتقد أن العكس هو الصحيح لأن التأليف القاتل بين الانتهازية والحالية في دولتنا اصبح منذ سنوات كثيرة مستنبتا مثاليا للفساد والعلاقات بين المال والسلطة، والضحل وعدم التخطيط وعدم القدرة على الانطلاق وعدم الجرأة في كل مجال تقريبا.
ما الذي يمكن أن نفعله بذلك اذا؟
أنا متفائل من جهة لأن المركز الصهيوني والاطراف السليمة له من اليمين واليسار ما زالت الاكثرية الكبيرة في الدولة.
وأنا متشائم من جهة اخرى لأن المركز الذي اتحدث عنه هو اكثرية صامتة غافية أو “نائمة” في اكثرها ترى كيف يسرقون الدولة من بين يديها وتسكت.
وليحدث تغيير كبير في الاتجاه الذي نسير فيه يجب ان يتم توحيد للقوى بين كل احزاب المركز وحركاته الذي يجعل غايته التحلل من ثقافة “الانتهازية في خدمة الحالية”، ويصب من جديد مضمونا وقيما واخلاقا في مجتمعنا ويحدد ترتيب الاولويات الصحيح الذي يقود الدولة التي هي عزيزة جدا علينا الى الاتجاهات المناسبة.
( يديعوت 22/3/2014 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews