نتنياهو يدعم روحاني
تبدأ اليوم السنة الجديدة في ايران. إن رأس السنة، النيروز، وهو العيد القديم الذي لا يتصل ألبتة بدين الاسلام يصاحبه كعيد الفصح تنظيف دقيق للبيت وارسال السجاد الى تنظيف سنوي، وشراء ملابس جديدة، وتزيين بأزهار ملونة، وزيارات عائلية مع الكثير من الحلوى والكعك، وموائد مليئة بسبع منتوجات تبدأ بالحرف ‘س′ الفارسي منها مرآة وتفاح وسمانو (وهي حلوى مصنوعة من الدقيق)، وثمرة مجففة من زيتون البر، وثوم وحب السماق والخل. ويضيفون احيانا ايضا عددا من قطع النقد والشمع وماء الورد وسمكة ذهبية وبيضا ملونا. وهذا هو التاريخ الذي تبدأ به ايضا السنة المالية الايرانية ومعها الأمل بمستقبل أفضل.
سيكون هذا أول رأس سنة يحتفل به حسن روحاني رئيسا للدولة. وتُقام – احتفالا بالعيد – هذه السنة معارض اغذية في أنحاء الدولة تباع فيها منتوجات أساسية بأسعار أدنى بـ 30 بالمئة من اسعارها العادية، ويتمتع مشترو الادوات المنزلية والمصنوعات الكهربائية بتخفيضات تبلغ 20 بالمئة، لكن ضيق العقوبات ما زال مشعورا به جيدا. اذا كان مواطنون كثيرون اعتادوا في الماضي قضاء عطلة النيروز الطويلة في ساحل بحر قزوين أو في فنادق فستقل في هذه السنة العُطل والرحلات الى الخارج وسيقضي المواطنون اوقاتهم في الاكثر في بيوتهم. وقد طلب الرئيس روحاني من المواطنين غير المحتاجين الى المساعدة الشهرية التي تبلغ نحوا من 18 دولارا، أن يمتنعوا عن تسجيل اسمائهم للحصول عليها كي يوفروا نفقات على الدولة، أما الزعيم الاعلى علي خامنئي فما زال يروج لشعار اقتصاد المقاومة الذي يرمي الى الثبات الصلب في مواجهة الضغوط الاقتصادية التي تفرضها العقوبات.
برغم تخفيف العقوبات والافراج عن قليل من الاموال المجمدة في بنوك في العالم، ما زال لا يوجد تغيير حقيقي في الاقتصاد الايراني. فالاتفاقات التجارية الجديدة التي يوقع عليها مع منتجين من اوروبا، وسيارات بيجو ورينو التي ستدخل للانتاج من جديد تحت الماركة الاصلية، وقطع غيار الطائرات المدنية التي أُفرج عنها تنفخ روح أمل أعمالية جديدة في الحقيقة، لكن الجو وحده لن يُحدث التغيير من غير اسقاط كبير للعقوبات. إن زيارة كاثرين آشتون لايران، وهي أول زيارة لمسؤول رفيع المستوى من الاتحاد الاوروبي منذ 2008، وزيارة وزير الخارجية البولندي ريدوسلاف سيكورسكي، لاول مرة منذ عشر سنوات تشيران الى فتح قناة مباشرة معلنة بين دول اوروبية وايران، وحظيت بتغطية اعلامية واسعة ايضا في ايران باعتبارها برهنة على العهد الجديد. لكنهما كانتا زيارتين مع مذاق مصاحب حامض.
التقت آشتون نشيطات حقوق انسان وأحدثت عاصفة في مجلس النواب الايراني حينما طلب القسم الراديكالي التحقيق في أنه كيف أباحت الاستخبارات هذه اللقاءات، وأما سيكورسكي فتحدث في مؤتمر صحفي عن أنه لم ينجح في تصفح موقع اخباري بولندي بسبب اغلاق الانترنت. وابتسم محمد ظريف وزير الخارجية الايراني في حرج ولم يرد.
يمكن أن نُخمن أن هذه الزيارة لو تمت في فترة احمدي نجاد لصُبت النار والكبريت على رأس الوزير البولندي. وبعد ذلك بايام معدودة زار روحاني سلطة عُمان وكانت جزءً من الحملة السياسية لتحسين علاقات ايران بالدول العربية بعامة وبدول الخليج بخاصة، ولا سيما بازاء الموقف المتشدد للسعودية ودول اتحاد الامارات التي تقوم بمعركة لصد تأثير ايران في الشرق الاوسط العربي وفي الدول الاسلامية كافغانستان وباكستان حيث للسعودية منافسة شديدة مع تأثير ايران المتزايد.
في مواجهة جهد ايران الضخم لتثبيت نفسها باعتبارها دولة مقبولة، دُفع ضبط سفينة السلاح كلوز سي الى هامش الاخبار حينما اكتفى قائد الاسطول الايراني حبيب الله سياري باعلان قال فيه ‘إن الدعاوى المتعلقة بسفينة ايرانية نقلت سلاحا كانت ترمي الى التخويف من ايران وتصويرها بأنها تهدد السلام العالمي’، وأما متحدثة وزارة الخارجية الايرانية، مرضية إفخم فاتهمت ‘الكيان الصهيوني’ وجهات خارجية بامداد ‘الارهابيين في سوريا’ بالسلاح. وايران كما يبدو أثر فيها عدم الاكتراث الدولي لقضية السفينة أكثر من تصريحات رئيس الوزراء نتنياهو القوية.
لكن في حين مر ضبط السفينة وعرض الصواريخ وقذائف راجمات الصواريخ دون أن تترك خدشا في مكانة ايران، تزيد سخونة الانتقاد الداخلي لسلوك الرئيس في اشهر ولايته الثمانية. ‘توجد اشارات كثيرة الى أن اصحاب قوة ومال في الدولة يميلون الى سلب المجتمع روح الثورة لتقوية مكانتهم وذلك بتصنيفهم قوى الثورة بأنها متطرفة’، هذا ما كتبه مستشار ممثل خامنئي في حرس الثورة، يدولا جواني في صحيفة ‘جوان’ المقربة من الحرس. ‘علينا الانتباه الى ان الخطابة التي تصدر عن ساسة موجهة على التطرف لا تؤدي الى مقارنة بين الثورية والتطرف’. ويُحذر جواني الذي تولى عمل رئيس المكتب السياسي لحرس الثورة من دفع نظرية الخميني الى كتب التاريخ، ومن ابعاد المواطنين عن حكم الفقهاء، ومن الاقتراب من امريكا وتبني مباديء الغرب فيما يتعلق بحقوق الانسان. ‘إن طريق الثورة هو مناوءة الولايات المتحدة والاسلام كما تراه امريكا’. وهذا مخالف لمواقف روحاني الذي انتقد بعد جلسة أجراها مع مجلس الامن القومي قبل اسبوعين، كثرة التمرينات العسكرية التي يُستعمل فيها اطلاق الصواريخ. ‘لا يجوز لنا أن نعمل على نحو يخيف الآخرين. علينا أن نخفف التوتر وأن ننشيء ثقة مع العالم’، أوضح، ‘إن اطلاق رصاصة واحدة قد يهدم كل شيء’. وقد يشير تبادل الكلام المعلن هذا الذي لم يكن لمرة واحدة الى أنه اذا كان حرس الثورة وقف وراء ارسال السلاح في سفينة كلوز سي فانهم لم يفعلوا ذلك دون علم روحاني فقط بل بخلاف موقفه ايضا.
ولا يُعبر عن صراعات القوى هذه في المجال العسكري وفي السياسة الخارجية الجديدة فقط بل في المواضيع الداخلية ايضا. فعلى سبيل المثال أثار روحاني غضب قادة التيارات الراديكالية حينما طلب في لقاء مع رؤساء وسائل الاعلام الايرانية، منهم ‘الكشف عن الفساد في الدولة: فأسماء الموظفين الفاسدين يجب أن يُعطيها صحفيونا الى الجمهور’، ووعدهم بأن الحكومة ستمنحهم ‘دعما اخلاقيا’. ولم يوضح روحاني ما هو ذلك الدعم الاخلاقي ولا سيما بعد الانتقاد الضعيف الذي صدر عنه حينما أُغلقت صحيفتان ليبراليتان. وتلقى روحاني بسبب هذا التصريح ضربات معلنة من الراديكاليين الذين قالوا إنه ‘من غير المناسب أن يدعو الرئيس صحفا تهاجم الدين وقيمه المقدسة الى أن تكون الى جانب الحكومة. يجب أن يكون الرئيس محايدا’.
إن لروحاني موقفا قاطعا ايضا في مسائل ثقافية وهي موضوع مشحون بالاختلافات يتناول صورة الدفع قدما بموضوعات ثقافية. ‘لماذا لم ننجح بعد 35 سنة في انشاء جو ثقافي يرضي الآباء المؤسسين؟ وما هي المشكلة بالضبط؟ اذا كانت النفقة التي أنفقناها على الوسط الثقافي ناجعة فلماذا تقلقنا كثيرا شؤون الثقافة؟’، تساءل. وهو في واقع الامر أجاب بذلك عن مقولة خامنئي التي قال فيها إنه ينبغي تأكيد الدين والثورة في الشؤون الثقافية، لكن قوله كان في الأساس قول تهكم بالراديكاليين الذين يزعمون أن الادارة الجديدة تترك طريق الثورة.
إن هذا الخطاب العام الذي يعبر عن صراعات السيطرة لا يهم كالمتوقع متخذي القرارات في اسرائيل الذين جعلوا هدفهم ‘تمزيق القناع عن وجه روحاني’، في حين يجهد روحاني لاقناع خصومه في الداخل على الخصوص بأنه لا يضع أي قناع. يبدو احيانا أن هجمات نتنياهو الخطابية على روحاني تساعده على الثبات في مواجهة معارضيه وتمنحه شهادة إحلال باعتباره مخلصا للنهج التقليدي. ومن المؤكد أن رجال حرس الثورة يفرحهم أن يعلموا أن سياسة روحاني حيلة فقط وأنه محافظ وراديكالي كما يريد نتنياهو أن يعرضه. لكنهم لم ينجحوا الى الآن، فهم ربما يتوقعون أن يقوم نتنياهو بالعمل لاجلهم.
( هآرتس 15/3/2014 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews