تضارب المصالح الوطنية يشلّ حراك أوروبا الجماعي
ربما كان من سوء الحظ تزامن تحقق أزمة السندات السيادية والعدوان العسكري الروسي على القرم بتعاقب سريع، لكن سوء الحظ لا علاقة له بعيوب التصميم الأساسية للاتحاد الأوروبي، التي كشفتها دراما سندات منطقة اليورو في السنوات الأخيرة، والآن مأزق الجمود الدبلوماسي مع روسيا بخصوص أوكرانيا.
كشفت الحالتان عن فشل جوهري: وهو أن مصالح الدول الأعضاء الـ 28 غير متطابقة، وتُبذل الكثير من الجهود في محاولة إخفاء هذا الفشل باستحداث اتفاقيات لها أسماء فخمة استعراضية، لكن الحقيقة الضمنية واضحة أمام أعين الجميع كي يروها.
الاتفاقية التي وقعت حول نظام حل البنوك كانت ضعيفة بحيث أنها لن تتمكن من حل كازينو متوسط الحجم. والآن، عندما يتحدث المجلس الأوروبي عن "العقوبات" على روسيا، فإن كل ما يستطيع طبخه بسرعة هو تجميد المحادثات حول إزالة القيود على التأشيرات. لا بد أن هذا سيكون له وقع الصاعقة على روسيا!.
الاتحاد الأوروبي منقسم حول روسيا لأن الدول الأعضاء أصبحت معتمدة على النفط والمال. توفر روسيا 40 في المائة من واردات ألمانيا من الغاز، في حين أن 5 في المائة فقط من الصادرات الصناعية الألمانية تذهب إلى روسيا. الأموال الروسية، وبعضها غير قانوني، تجد طريقها إلى مراكز التمويل وأسواق العقارات في لندن وقبرص.
يطلق الألمان على علاقتهم مع روسيا تعبير الشراكة الاستراتيجية.
جيرهارد شرودر أطلق على الرئيس فلاديمير بوتين لقب "الديمقراطي المثالي". لاحظ أنه بعد وقت قصير من تركه المنصب، فإن هذا المستشار الألماني السابق ذهب ليتسلم عملاً في مشروع أنابيب للنفط في بحر البلطيق، تقوده روسيا.
صحيح أن أنجيلا ميركل أقل شغفاً بالرئيس الروسي من سلفها المستشار السابق، ولكنها تعرف أيضاً أنه توجد مصالح وطنية مهمة على المحك.
لا أستطيع تصور قبولها بعقوبات قاسية تزيد على الإشارات الهزيلة التي اتُّفِق عليها في الأسبوع الماضي. كما لا يمكنني رؤية الحكومة البريطانية وهي تضع يدها على الأصول المالية الروسية في بريطانيا.
دول الاتحاد الأوروبي تتظاهر بالغضب مما حدث في أوكرانيا، ولكن من خلال إخفاقهم في الاتفاق على موقف فعال مشترك، فإنهم وعن غير قصد أصبحوا أكبر المتعاونين من الناحية العملية مع بوتين.
أكبر إغفال على مدى السنوات هو فشلهم في تكوين سوق موحدة للنفط. التزمت الدول الأعضاء بصفقاتها الصغيرة الخاصة مع شركة غازبروم. بالنسبة لألمانيا، فإن توفر الغاز الروسي كان مهماً لها بشكل خاص، لأنه دعم أكبر المشاريع السياسية المحلية لإدارة ميركل، وهو التحول عن الطاقة النووية (سياسة أخرى لم يتم التنسيق بخصوصها على مستوى الاتحاد الأوروبي).
مشكلة أوروبا في اتخاذ إجراء جماعي ليست جديدة، ولكن نطاق ما يحدث هو الجديد. في 2007، لم يتمكن الاتحاد الأوروبي ولا مؤسساته من رؤية الأزمة المالية، وهي تتقدم نحوه. وفي 2008، أخطأ الحكم على الآثار المترتبة على إفلاس بنك ليمان براذرز. وفي 2009 لم يشاهد أزمة السندات السيادية اليونانية وهي تقترب، ومنذ 2010 وحتى الآن مستمر في التقليل من أثر ذلك.
من الدروس الناتجة عن هذا الفصل هو عدم السماح لأزمة مالية صغيرة بأن تصبح أكبر حجماً. أدت حالات الفشل المتسلسل إلى فقدان السمعة. لم تعد لدى الأوروبيين القدرة على إخافة الآخرين، وبوتين زعيم من النوع الذي يستطيع أن يشتَمَّ رائحة ذلك.
الاتحاد الأوروبي ليس مصاباً تماماً بالاختلال الوظيفي، فلا يزال يعمل بصورة جيدة في مجالات محددة – وهي مجالات يتمتع فيها بكفاءات معروفة، كما في التجارة أو في سياسة التنافس، ومصالح الدول الأعضاء منسجمة بصورة طبيعية. كمثال على الأخير، هناك الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه مع إيران في السنة الماضية.
تقلص دور الاتحاد الأوروبي ليصبح مجرد مسهل فني. لا يزال هذا الدور مفيداً – لكن على الأغلب بالمعنى الذي يكون فيه رئيس الخدم مفيداً. لا تعطى الصلاحيات إلى الأعلى وإنما إلى الأدنى.
وحين يصادف أن تعيّن مساعداً ضعيفاً لرئيس الخدم – كما فعلوا مع خوزيه مانويل باروزو، رئيس المفوضية الأوروبية، فإن النتيجة هي الفوضى.
ليست هناك طريقة سهلة للعودة. إن نقل السيادة بخصوص قطاع الطاقة إلى بروكسل، سيكون مليئاً بالمشاكل مثل المحاولة التي تمت في السنة الماضية لخلق إطار مشترك لحل النظام المصرفي.
سيتطلب ذلك إعادة كتابة المعاهدات الأوروبية. لا أستطيع أن أرى كيفية تقبل الناخبين في البدان الأعضاء التي اعتصرها التقشف بالمزيد من التكامل – طالما كان بوتين لا يحرك دباباته إلى داخل منطقة الاتحاد الأوروبي.
تستطيع أن تطرح حجة مماثلة لمنطقة اليورو. في الفترة الأخيرة وضعت مجموعتان من المفكرين الفرنسيين والألمان مخططاً لصياغة بُعدٌ سياسي للاتحاد النقدي، يشتمل على أفكار جيدة.
المشكلة هي أن زعماء منطقة اليورو اتخذوا جميع القرارات المهمة – من صندوق الإنقاذ إلى معاهدة المالية العامة إلى اتفاقية حل البنوك. لا تزال المقترحات مفيدة. لكنها لا تصلح للأزمة المقبلة.
ينطبق الشيء نفسه على الأمور اللازمة للتصدي للعدوان في المنطقة المجاورة لنا تماماً. عن غير قصد أعطى بوتين المؤيدين للتكامل الأوروبي أقوى حُجة في حملتهم في الانتخابات الأوروبية المقبلة: وهي أن الثمن الذي ندفعه مقابل العبث الشعبوي بمصلحتنا الوطنية، هو أن نسمح لأمثال بوتين بالتلاعب بنا ضد بعضنا بعضاً.
( فايننشال تايمز 15/3/2014 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews