اللاجئة السورية : استغلال وعودة إلى عصر الحريم
تحتل قضية اللاجئ السوري مساحة كبيرة في الاعلام العربي والغربي، فلا يمضي يوم إلا وتتحدث الصحف والمجلات ومواقع التواصل الاجتماعي والمحطات الفضائية والإذاعات والمواقع الألكترونية عن اللاجئ السوري وما يعانيه من نقص في الغذاء والدواء ومتطلبات الحياة والبرد والمرض والتعب النفسي ، وعن الأعداد الهائلة التي تتدفق يومياً إلى دول الجوار : الأردن، لبنان ، العراق وتركيا.
وفوق الواقع الصعب والمؤلم الذي يعيشه هؤلاء اللاجؤون في مخيمات اللجوء ، والتي تتطلب تكافلا وتعاونا واهتماما دوليا من أجل تلبية الحد الأدنى من أبسط متطلبات معيشتهم ، فإن هناك لاجئا سوريا من نوع آخر لا يعيش في الخيام ، ولا تنفق عليه دول اللجوء ولا يوجد من يهتم بأمره :
هناك عائلات كثيرة وشبان وشابات فرادى رفضوا العيش في المخيمات واختاروا البحث عن موطنٍ آخر يبنون فيه حياة جديدة تؤمن مستقبلهم ومستقبل عائلاتهم وأولادهم بعد أن سُرق وطنهم من بين أيديهم ، وبعد أن اعتبروا " خونة " و" مندسين " و" إرهابيين " لأنهم رفضوا الظلم ، وهتفوا بإسقاط نظام الأسد الديكتاتوري ، وإنحازوا للثورة والمعارضة السلمية التي وجدوا فيها مستقبل سورية القادم - مستقبلهم - ولكن - للآسف - جاءت الرياح بما لا تشتهي سفنهم ، وانقلبت أحلامهم وآمالهم عليهم ، وتحولت إلى كابوس من وجهين :
الأول : تحول وطنهم إلى ساحة حرب تتصارع فيها المصالح الإقليمية والدولية .
الثاني : تحولوا هم أنفسهم إلى مغتربين بالإكراه ، بما تعنيه الغربة " الجبرية " من ذل وإذلال ووهن وانكسار .
هؤلاء اللاجؤون الذين انتشروا في الأرض ، مجردون مما حصدوه من تعب السنين الماضية ، فهم لا يملكون سوى عزيمتهم وإيمانهم وشهاداتهم العلمية التي ظنوا أنها رأسمالهم الكبير الذي سيحميهم ويساعدهم ويمهد لهم طريق البداية ، فاصطدموا بواقع آليم مرير : عندما أُغلقت الأبواب في وجه حملة الجنسية السورية ، وبات على السوري أن يعيش قلق التشرد والإبعاد عن وطنٍ آخر اختاره ليبني فيه حياةً جديدة.
لقد أصبح من يحمل جواز السفر السوري كمن دمغ بـ " وصمة " لا فكاك منها ، وها هو مستوحد في بلاد الله الواسعة التي ضاقت عليه بما رحبت، فلا دولة تستقبل ، ولا عمل يُفتح .
أما المرأة السورية في رحلة الغربة والضياع ، فها هي في " بعض " الأحيان - أقول بعض - لقمة سائغة يسهل هضمها واستغلالها لأنها وحيدة بلا سند ، حيث لا وطن يشرع أبوابه ، فتبث له شجنا ، ولا صدر يُدفئ نبضاته فتأوي إليه بعزة وعفة ، في ظل استبداد ذكورة شرقية تأبى إلا أن تكون هذه المسكينة " سبية " و" غنيمة " أو ممن ملكت اليمين .
كم من " ذكور " استغلوا ضعف المرأة السورية اللاجئة وضعف أهلها وقلة حيلتهم، فأصبحت كالدمية التي يشتريها الطفل ويلعب بها حتى يمل فيرميها في طريق البحث عن دمية جديدة تسلي رغبته المريضة.
لقد نسي العالم من هي المرأة السورية، تلك الجميلة القوية المتعلمة التي شاركت الرجل منذ سنوات طويلة العلم والعمل والبناء، نسي أنها الأخت والابنة والأم والزوجة .
على العالم والمجتمع الدولي ، عندما يتناول قضية اللاجئين السوريين أن لا يغفل هؤلاء، أن لا يتعامل مع كل السوريين سواء : فيكون المجرم بمنزلة النظيف ، ويكون الخائن والعميل بمنزلة البريء الأمين .
علـى المجتمع الدولي أن يقوم بواجبه ويحتضن السوريين ، ويفتح لهم الأبواب ، لا أن " يشحد " عليهم ، أو يأكل ويتنعم من " خيرات " لجوئهم ، وما أشبه ما يجري للاجئ السوري في هذا الزمان ، بما جرى للمتنبي قبل ألف عام ، عندما طرده سيف الدولة من حلب فاتجه إلى مصر حيث كافور الإخشيدي ليقول عن كافور بيته الشهير :
جوعان يأكل من زادي ويُمسكني
لكي يقالَ عظيمُ القدر مَقصودُ
د . فطين البداد
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews