بماذا سيرشو بوتين الأميركيين؟
حرية أي شعب في تحديد خياراته، مفهوم لا يرد في قاموس فلاديمير بوتين الذي تقتصر تعابيره على «مجموعات تحرك من الخارج» و «انقلاب» و «حماية مصالح روسيا». لكن هذه العقيدة البالية التي تعتمدها موسكو في الداخل الروسي وفي الجوار الأوروبي وأيضاً وخصوصاً في سورية، لم تجد خلال 14 عاماً من حكم بوتين من يتصدى لها بالفعل وليس بمجرد التصريحات السياسية والتدابير غير الفاعلة، فأرسلت روسيا قواتها الى أوكرانيا مطمئنة الى ان الفورة التي ستثيرها ستنتهي بسرعة مثلما بدأت، وأن التحذيرات والتهديدات الغربية بعقوبات وإجراءات عزل مجرد فقاعات إعلامية لن تؤثر في الوضع على الأرض ولن تغير في طبيعة الأمر الواقع الذي تفرضه القوة الروسية المباشرة.
ويستند بوتين في قناعته هذه الى التجربة التي خاضها مع الغرب عموماً والأميركيين خصوصاً في حالتي جورجيا وسورية، حيث لم يلق التدخل الروسي المباشر سوى ردود مائعة ورغبة في عدم التورط وسعي خفي الى تسويات لا تستفز روسيا، طالما ان الوضع في البلدين لا يؤثر مباشرة في المصالح الأميركية والغربية.
ولعل الرئيس الروسي يدرك أيضاً ان التصعيد السياسي الغربي الكبير بشأن الأزمة الأوكرانية واعتبارها الأخطر منذ انتهاء «الحرب الباردة»، ينطويان ضمناً على رغبة في الوصول الى حلول وسط عبر تضخيم الأخطار والتهويل بها، ولهذا سيواصل القضم المتدرج لما تبقى من جيوب في القرم لتحويله الى محمية روسية بالكامل، مبقياً في الوقت نفسه التهديد مسلطاً على الجبهة الشرقية لأوكرانيا حيث قامت قواته قبل ايام بمناورات واسعة عند الحدود، ورافضاً الاعتراف بشرعية التغيير الذي حصل في كييف بإصراره على تنفيذ الاتفاق الموقع بين المعارضة والرئيس المخلوع قبل فراره.
اما الأميركيون الذين سبق ان اختلفوا مع الأوروبيين حول مقاربة الأزمة الأوكرانية عندما كانت في بدايتها، فليسوا قادرين على ضمان ان حلفاءهم سيؤيدون الإجراءات التي يقترحونها للضغط على روسيا، ذلك ان دول الاتحاد الأوروبي ترى ان واشنطن تريد مواجهة موسكو على حسابها، وأنها ستكون المتضرر الأكبر من أي عقوبات في وقت لا تزال اقتصاداتها هشة وتحاول الخروج من الانكماش. فحجم التبادل التجاري بين روسيا وأميركا لا يزيد عن 40 بليون دولار، فيما بلغت المبادلات بين الروس والأوروبيين في 2013 ما يزيد عن 325 بليون يورو، اضافة الى ان اوروبا تعتمد على واردات الغاز الروسية بنسبة 34 في المئة من احتياجاتها.
وما يزيد في قوة بوتين أنه، على غرار القادة الغربيين، لا يهتم كثيراً بالرأي العام الخارجي، بل بصورته وسمعته داخل بلده نفسها، وهو يبدو «بطلاً» بالنسبة الى غالبية شعبه لأنه يدافع عن هوية القرم الروسية التاريخية.
لقد تقاعس الأميركيون عن التدخل لإنقاذ الشعب السوري، واعترفوا ودفعوا العالم الى الاعتراف بـ «مصالح موسكو» في سورية ضاربين بالمبادئ الإنسانية عرض الحائط، وعندما احرجهم استخدام نظام الأسد الأسلحة الكيماوية، أثاروا زوبعة سياسية وعسكرية سرعان ما تلاشت عندما قدم لهم بوتين «رشوة كبيرة» تعويضاً عن عدم معاقبة حليفه، بإهدائهم الترسانة الكيماوية السورية لطمأنة حليفهم الوحيد إسرائيل. ولعله الآن يفكر في ماذا يمكنه ان يقدم لهم كرشوة مناسبة لـ «غض الطرف» عما يفعله في أوكرانيا الأوروبية.
( 6/3/2014 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews