وحشية الجنس البشري
الفيلسوف اليوناني أرسطو آمن بان الكون كان موجودا منذ الأزل. فقد اعتقد بان الانسانية لم تصل الى درجة متطورة فقط لان طوفانات وكوارث طبيعية اخرى جعلت الحضارة تتراجع، المرة تلو الاخرى الى نقطة البداية.
أما اليوم فيتقدم الانسان بسرعة شديدة. وقد نما علمنا بوتيرة سريعة ومعه التكنولوجيا ايضا. ولكن بقيت للانسان الغرائز ولا سيما الدوافع العدوانية التي كانت لاناس الكهوف. وكان للعنوان فضائل في صراعات البقاء. ولكن عندما تلتقي التكنولوجيا بالعدوان العتيق، يكون الجنس البشري في خطر.
اليوم في سوريا نرى كيف يجري استخدام التكنولوجيا الحديثة في شكل قنابل، كيميائيات واسلحة اخرى، لاهداف سياسية ثقافية مزعومة.
ولكن يبدو لي هذا غير ثقافي جدا عندما يقتل أكثر من مئة الف شخص وعندما توجه النار للاطفال. ويبدو لي هذا غبيا حقا والاسوأ من كل شيء منع نقل المساعدات الانسانية الى العيادات التي تقطع فيها اعضاء الاطفال بسبب نقص المواد الاساسية، ويضطرون الى النظر بحسرة الى الرضع الذين يموتون في الحاضنات بسبب نقص الكهرباء.
في سوريا ترتكب افعال نكراء والعالم المتحضر يقف وينظر في ما يجري هناك من بعيد. فأين ثقافتنا العاطفية؟ اين احساسنا بالعدل الجماعي؟
عندما أتحدث عن الحياة الثقافية في الكون فاني ادرج في هذا التعريف الجنس البشري ايضا. وخلافا للعدوانية، ليس واضحا كم للثقافة تأثير بعيد المدى على قدرة البقاء. ومع ذلك فان نوع الثقافة الانسانية يسمح بالتصرف بمالنطق والتخطيط ليس فقط لمستقبل كل انسان بحد ذاته بل وايضا المستقبل المشترك لنا جميعا.
وعليه، فنحن ملزمون بان نعمل معا كي نحمي اطفال سوريا. لقد وقفت الاسرة الدولية ونظرت بالحياد على مدى ثلاث سنوات، بينما احتدمت المواجهة وحطمت كل الآمال. وأنا كأب أرى معاناة اطفال سوريا ملزم بأن أقول: كفى.
في أحيان قريبة أتساءل كيف نبدو نحن في نظر مخلوقات اخرى تنظر الينا من غياهب الفضاء. فعندما ننظر الى الكون فاننا عمليا ننظر الى الوراء في الزمن لان الضوء الذي يخرج من الاشياء البعيدة يصل الينا بعد وقت طويل. فما الذي يظهره الضوء الذي يخرج اليوم من الكرة الارضية؟ عندما ينظر الناس الى ماضينا فهل يكون ذلك الماضي سببا لان نفخر بما نرى؟ هل يمكننا أن نكون فخورين بالطريقة التي نتعامل فيها كاخوة كل الى غيره وبالشكل الذي نسمح به لاخوتنا بالتصرف مع اطفالهم؟
نحن نعرف أن أرسطو أخطأ. فالكون لم يكن موجودا منذ الازل بل بدأ قبل نحو 14 مليار سنة. ولكنه كان محقا في أن المصائب الكبرى أدت الى تراجعات كبيرة في تقدم الانسانية. فالحرب في سوريا بحد ذاتها لا ترمز على ما يبدو الى نهاية الانسانية. ولكن كل ظلم يرتكب يسحق اكثر فأكثر ‘المبنى المشترك’ الذي يبقينا معا. ومع أن مبدأ العدالة الكونية لا يقوم على اساس القوانين الفيزيائية فانه هام لوجودنا بقدر لا يقل عن قوانين عالم الفيزياء. بدونها لا ريب ان الانسان آجلا ام عاجلا لن يدوم.
( معاريف 20/2/2014 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews