تطور العلاقات المصرية – الروسية : هل هو تحدٍ لأميركا ؟!
اهتمت وسائل الاعلام العربية والغربية مؤخراً بمتابعة الزيارة التي قام بها وزير الدفاع المصري المشير عبد الفتاح السيسي، القائد العام للقوات المسلحة، ووزير الخارجية نبيل فهمي لروسيا.. حيث سلطت الضوء على دعم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين القوي لمصر وكذلك لترشح السيسي للانتخابات الرئاسية المقبلة .
وعلى الرغم من أن وزيري الخارجية : الروسي سيرغي لافروف ، والدفاع سيرغي شويجو ، لم يكونا في استقبال نظيريهما فهمي والسيسي وبعثا بمن ينوب عنهما، مما يُعتبر خرقاً كبيراً ومشيناً للأعراف الدبلوماسية.. إلا أن هذه الزيارة تكتسب أهمية بالغة على صعيد تحوّل البوصلة الاستراتيجية للسياسة الخارجية المصرية من واشنطن إلى موسكو : حيث اهتم الطرفان بالتركيز على مجالات التعاون العسكري بين البلدين ، وعلى ثقة روسيا في أن السيسي هو رجل المرحلة القادمة في مصر ، ولديه القدرة على قيادة بلاده في هذه المرحلة التاريخية المهمة ، وإعادة الاستقرار إلى مصر من جديد ، وبناء سلطة قوية قادرة على ضبط الأوضاع وكبح جماح تيار الإسلام السياسي ، نظراً لأن استقرار منطقة الشرق الأوسط برمته يعتمد على أمن وأمان واستقرار مصر- بحسب وسائل الاعلام الروسية والمصرية .
وهذه الزيارة تؤكد على عودة " ذكريات " العصر الذهبي للعلاقات المصرية – الروسية إلى سابق عهدها : عندما كانت مصر حليفاً عسكرياً مهماً للاتحاد السوفيتي ، إلى أن قام الرئيس الأسبق محمد أنور السادات بطرد المستشارين الروس في العام 1972 تمهيدا لتوقيع معاهدة السلام مع اسرائيل نهاية 1978 ، وبالتالي ، تطوّرت العلاقات الخارجية المصرية باتجاه واشنطن فدعمت أميركا مصر ونظام حسني مبارك الذي امتد لسنوات طوال حتى الإطاحة بالرئيس المعزول، محمد مرسي ، لتبدأ مرحلة جديدة من العلاقات ، إذ رفضت مصر بقيادة السيسي انتقاد أمريكا للعسكر وانقلابهم على السلطة ، وأيضا انتقاد أمريكا لملاحقة الإخوان المسلمين، مما أدى إلى تفاقم التوتر في العلاقات المصرية – الأميركية ، لينتج عن ذلك إلغاء مناورات مشتركة ، وتجميد واشنطن مساعداتها لمصر بقيمة ١،٥ مليار دولار ، دون أن يعني هذا أنه لا علاقات استخبارية وعسكرية وتحالفية مع واشنطن ، وإن كانت بأقل من مستوياتها السابقة .
وما هذا التقارب الجديد والتعاون بين مصر وروسيا إلا بهدف التقليل من اعتماد مصر على الولايات المتحدة في الشأن التسليحي ، ، وكذلك هدف روسيا باستعادة دورها ومكانتها كدولة عظمى ذات نفوذ وتأثير في منطقة الشرق الأوسط ، بعد أن غابت عن هذا الدور منذ انهيار الاتحاد السوفيتي .. وهي تسعى - ومن خلال سياساتها الجديدة في سورية ومصر - إلى تقديم نفسها كبديل، أو منافس موازٍ للولايات المتحدة في المنطقة، بل ومختلف عن الأخيرة، سواء من حيث رؤيتها لمستقبل الإقليم ، أو للدور السياسي للجماعات الإسلامية التي سارعت واشنطن إلى دعمها في غمرة الثورات العربية .
وبينما جذب وصول المشير السيسي بالزي المدني إلى روسيا وتقدمه للمشهد ومن خلفه نبيل فهمي وزير الخارجية تساؤلات حول ما إذا عزم المشير على ترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية المصرية القادمة ، أم أنها زيارة تصب أساسا في هذا الهدف أيضا .
هي زيارة حملت عدة رسائل للداخل والخارج : وليس صحيحا ما قيل عن أنها زيارة عادية نابعة من صميم مهام السيسي كنائب لرئيس الوزراء ووزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة ، في إشارة إلى صفقة الأسلحة المتطورة الممولة سعوديا وإماراتيا ، وتهدف مصر من ورائها تعزيز قدرتها على الحرب ضد الإرهاب في سيناء وعلى الحدود الغربية مع ليبيا.. وهي - أيضا - الزيارة الأولى من نوعها على هذا المستوى من مصر لموسكو منذ أربعين عاما ، بل تحمل عناوين ومضامين قد تتكشف خلال الأشهر القادمة .
في كل الأحوال : فإن مصر التي قامت بثورتين خلال الثلاث سنوات الماضية وأطاحت برئيسين بهدف الوصول إلى العدالة الاجتماعية والديموقراطية ، عزيزة غالية على العرب .. ولا نتمنى سوى أن تتحقق هذه المطالب ويعمّ مصر الخير والاستقرار ويعود الأمان إلى أم الدنيا ، وأن تكون خيارات هذا البلد بحجم تطلعات أبنائه في بناء مستقبل أفضل لهم وللأجيال القادمة.
د . فطين البداد
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews