ماذا فعلت " أليكسا " باللاجئين السوريين ؟
اكتست منطقتنا بالثلج في الأيام القليلة الماضية وغدا المنظر خلاباً ومبهجاً بأن نحتفي ببياض الأردن.. لونٌ واحدٌ يلوّن الشجر والأرصفة والشوارع والبيوت.. لونٌ واحدٌ حوّل كثيرا من أهالي الأردن إلى أطفال ، فمن منا لا يغريه مرح وفرح الثلج ..
غزا اللون الأبيض الفضائيات والصحف ومواقع التواصل الاجتماعي ، وصدحت الإذاعات تتغزل بجماله وألقه ، وبات الجميع سعيداً بالخير الذي سيخلفه الذوبان من بهجة في الخضرة ، ووفرة في الماء .
بدأت الصور تهطل عليّ في الغربة ، عن بيتنا وشارعنا وأشجارنا وحديقتنا : ها هم الأطفال يمرحون ويلعبون ، وها هم الكبار ينغمسون ، بتلقائية ، في رحابة الحبور ، وتلقائية السرور .. ورغم سعادتي بهم جميعاً ، ورغم نشوتي بلون عمّان الأبيض، إلا أن صوراً أخرى كان لا بد وأن تحتل لدي المساحة الأكبر ، وإذ بالفرحة تنقص ، والألم يكبر، والوجع يشتد .
فقد مرت على العالم قبل أيام ، ذكرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي صدر بتاريخ ١٠-١٢- ١٩٤٨ و الذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة كمعيار ومرجعية مشتركة لطموح الإنسان نحو غد أفضل ، والذي وضع ضوابط عامة للحقوق والحريات الأساسية للإنسان ، وهو إعلان يتألف من 30 مادة تكفل الحقوق الأساسية وتشكل مع العهدين الدوليين والاتفاقيات ذات الصلة القاعدة المعرفية التي تقوم عليها الشرعة الدولية لحقوق الإنسان ، أو ما بات يعرف بـ " لائحة الحقوق الدولية في القانون الدولي " .
لو قرأنا هذا الإعلان على الواقع لألقيناه وراء ظهورنا غير مأسوف عليه ، إذ يتبين العالم كل يوم ، وخاصة ما يعرف بـ " دول الجنوب " ، أنه ليس سوى زيف وكذب وخداع ، وهو أداة للتسلط السياسي وأبعد ما يكون عن تحقيق العدالة وحماية الإنسان الذي يزعم " التاريخ " أنه أطلق لأجله !.
هي ذي صور مخيمات اللاجئين السوريين يجتاحها الثلج والجليد .. هي ذي صور أطفال سورية يعانون البرد والألم .. وتلك صور محاولات التدفئة العديدة من : حرق لصناديق الكرتون إلى تدفئة القدمين بدخان محرك السيارات وإلى ما لا يخطر لكم على بال من وسائل تدفئة غريبة مبتكرة أملتها الحاجة .
ثمة صور أخرى أشد إيلاما وأعمق تأثيرا : تلكم هي صور الموت ، نعم ، الموت من البرد متجمداً وحيداً وخائفاً وهو ما اختزلته صورة لطفلة لم تتجاوز الثلاثة أيام .
كيف يموت طفلٌّ وليد من البرد في عصرنا هذا ؟!! أين نحن من الإنسانية ؟!! إنه يحدث في سورية الصابرة المصابرة ومتى ؟ .. في الذكرى الـ ٥٦ لإعلان اليوم العالمي لحقوق الإنسان !! .. أي مفارقة أليمة هذه وأي مأساة ؟ .
في ذكرى مرور ألف يوم على اندلاع الثورة السورية يحتفي العالم بهذا اليوم ويشهد على موت الإنسان السوري قتلاً وتعذيباً وتجويعاً وإغراقا ، وها هو يموت تجمدا وتيبسا في غربة الوعد ، وسطوة البرد .
يشهد العالم ويصمت أمام هذه المجازر اليومية ويقف متخاذلاً أمام واقع مخيمات اللاجئين السوريين وحال النازحين !! .
ليذكر الجميع أن التاريخ لن يرحم تقاعسنا وتخاذلنا.. ولنذكر بعضنا بعضا بالمنح والأُعطيات التي قدمها العالم العربي للمحن والأزمات والكوارث الطبيعية التي أصابت دول الغرب والشرق .. فما الذي نقدمه اليوم - كعرب - لإخوتنا السوريين في محنتهم وبلواهم ؟.
لن أطيل حتى لا أحرمكم متعة الثلج ، لكن غصة في الحلق أبت إلا أن تلذع وجه الصقيع بقبلة من نار ، لعل وعسى أن نشعر بهم وهم يرتعشون ، بينما نحن جلوس حول المواقد .. والموائد ! .
د . فطين البداد
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews