دروس من الأزمة الأميركية
قبل أيام قلائل صوتت الأغلبية في الكونغرس لإعادة عمل الحكومة الفيدرالية وقشع سحابة الشكوك التي تحيط بالاقتصاد، لتضع نهاية لنهج سياسي فوضوي، وقبيح في بعض الأحيان. لكنك عندما تمعن النظر في الأزمة ستدرك أن القادة الأميركيين، في كلا الحزبين، ملتزمون بتحقيق مصلحة الاقتصاد الأميركي وموقفنا حول العالم. فالدولار هو العملة الاحتياطية للعالم، ووطدنا على مدى أكثر من 20 عاما موقعنا بوصفنا عمودا فقريا للنظام المالي العالمي. والعالم يعلم الآن أننا كنا وسنظل أكثر الأماكن أمنا وموثوقية للاستثمار فيه.
مخطئ من لا يعتقد أن ما حدث لم يكن سوى أزمة سياسية لا اقتصادية.. فعندما واجهنا أزمة اقتصادية حقيقية في عام 2008 - الأسوأ منذ الكساد الكبير - أثبت اقتصادنا قدرته على استعادة مكانته مرة أخرى، ومنذ ذلك الحين والشعب الأميركي يخوض معركة شرسة للابتعاد عن حافة الهاوية. الآن عادت الشركات إلى توظيف عاملين جدد، والاقتصاد ينمو، وانخفض العجز في الميزانية إلى النصف. وخلال تلك الفترة عادت الولايات المتحدة مرة أخرى إلى دورها بوصفها مصدرا لقوة الاقتصاد العالمي.
لكننا لم نصل إلى حيث ينبغي أن نكون، فلم يكن النمو بالقوة المطلوبة، وتوفير فرص العمل بحاجة إلى السير بخطى أكبر، لكن أحد الأسباب الرئيسة وراء عدم انطلاق اقتصادنا بكامل طاقته هو واشنطن.. فاقتصادنا كان مهيأ للقيام بخطوات واسعة خلال السنوات القليلة الماضية، لكن الأزمات التي ارتكبناها في حق أنفسنا وقفت حجر عثرة في وجه نمو الاقتصاد مرة تلو الأخرى.
ما من شك في أن إغلاق الحكومة ومأزق سقف الدين قادا إلى مصاعب اقتصادية في كل زاوية من البلاد، وعلى الرغم من أننا لم نعرف بعد مقدار الضرر، فإن هذه الأحداث تسببت في رياح معاكسة غير ضرورية للاقتصاد. ومن ثم ينبغي علينا ألا نأخذ هذه البلاد مرة أخرى إلى مرحلة قريبة من العجز عن سداد الدين بغية الحصول على مكسب سياسي.
لقد حان الوقت لوضع نهاية لمحاولات السيطرة عبر افتعال الأزمات، والتركيز بدلا من ذلك على تسريع النمو وتوفير فرص العمل. ولو نظرنا إلى القواسم المشتركة لا إلى خلافاتنا، فسنجد كثيرا مما يمكننا القيام به لدعم العمال والشركات الأميركية، وهذا هو ما يتوقعه الأميركيون من قادتهم في واشنطن.
يمكننا أن نبدأ بالتوصل إلى اتفاق ميزانية لتحسين الأداء المالي الطويل الأجل لبلادنا، يتم التوصل إليه عبر اتفاق شامل يعمل على تقليص العجز في الميزانية ويحمي الرعاية الصحية والضمان الاجتماعي لمن يعتمدون عليهما، ويعمل على توسيع اقتصادنا في المستقبل، وهو ما يعني إغلاق الثغرات الضريبية المسرفة وتحقيق استثمارات مستهدفة لتحسين نظام التعليم لدينا، وزيادة الإنتاج المحلي للطاقة، وتوسيع قاعدة التصنيع.
ينبغي علينا أيضا أن نتحد لإصلاح خفض الإنفاق الجريء بشكل حاسم. هذه التخفيضات الشاملة وغير التمييزية، التي جرى تطبيقها في وقت مبكر من العام الحالي، كان الهدف منها ألا تكون مقبولة لدى الجانبين حتى يضطر الكونغرس إلى التوصل إلى اتفاق متوازن بشأن إجراءات خفض العجز.. لكن ذلك الاتفاق لم يجرِ التوصل إليه في حينه.
إضافة إلى مواجهة تحديات الميزانية، تستطيع واشنطن اتخاذ العديد من الخطوات لدعم النمو الاقتصادي.
ينبغي على الكونغرس المصادقة على قانون الهجرة الشامل، فمشروع القانون الذي أقره بالفعل مجلس الشيوخ سيعزز حدودنا وسيوفر مسارا آمنا للحصول على الجنسية، وتعزيز النمو بأكثر من تريليوني دولار مع خفض العجز في الميزانية في الوقت ذاته.
وأخيرا، فإننا بحاجة إلى التعاون معا لاستكمال العمل الجماعي الذي بدأ بالفعل لإصلاح قانون ضرائب الشركات، وتحديث نظام تمويل الإسكان، وتجديد هيئة تشجيع التجارة، في الوقت الذي نصلح فيه الطرق السريعة والجسور المتهالكة.
وبينما نتجاوز إغلاق الحكومة وأزمة سقف الدين، ربما يكون من الأهمية بمكان أن نتذكر أن أسس ديمقراطيتنا هي المنافسة السليمة للأفكار لأنها شريان الحياة لبلدنا.
( نيويورك تايمز 28/10/2013 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews