في الدفاع عن الحكومة العالمية
يبدو أننا، خلافاً لما تعودنا عليه في الماضي، لن نشهد هذا العام احتجاجات كبرى بمناسبة الاجتماعات السنوية المرتقبة لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، أو اجتماع منظمة التجارة العالمية لوزراء التجارة في بالي في وقت لاحق. ولكن السبب وراء هذا ليس أن هذه المؤسسات الدولية تُعَد في نظر الناس فعّالة وشرعية، بل لأنها أصبحت في نظرهم، مقارنة بحالها قبل عشر سنوات، أصغر وأكثر عجزاً في مواجهة قوى السوق المتزايدة السطوة من أن تستحق العناء.
كانت الأزمة المالية العالمية في 2008 وتداعياتها سبباً في فقدان الثقة، ليس فقط في الأسواق، بل وأيضاً في قدرة الحكومات الديمقراطية على ضمان تقاسم فوائد النمو الذي تقوده السوق على نطاق واسع. وفيما يتعلق بالقضايا الاقتصادية والمالية والضريبية، وقضايا التجارة والمناخ العالمي، يشعر كثيرون في مختلف أنحاء العالم إما بالخوف أو الغضب، ويؤمنون بأن شرذمة عالمية من المصرفيين والشركات ونخب مجموعة العشرين يستخدمون صفقات داخلية غير مشروعة لاحتكار فوائد العولمة.
ولكن قِلة من الناس ــــ سواء بين المواطنين العاديين أو خبراء الاقتصاد من ذوي التوجهات الدولية ــــ يدركون أن مؤسساتنا المتعددة الأطراف التي تبدو ضعيفة وغير فعّالة ظاهرياً هي الأمل الأفضل لدى العالم لإدارة السوق العالمية وإضفاء الطابع الديمقراطي عليها. فهذه المؤسسات وحدها القادرة على منع ممارسات النخب والصفقات الداخلية غير المشروعة التي تعرض الرخاء العالمي لمخاطر طويلة الأمد.
من المؤكد أن عدداً متزايداً من خبراء الاقتصاد المنتمين إلى الاتجاه السائد يدركون تمام الإدراك الآن التكاليف التي تفرضها الأسواق العالمية المتحررة من القيود. وهناك تخوفات أعظم إزاء احتمالات تسبب حركة رؤوس الأموال عبر الحدود في زيادة صعوبة تحصيل الضرائب وفرض القيود التنظيمية في الداخل؛ وتسبب الاتفاقيات التجارية مقترنة بسلاسل العرض العالمية في تفاقم خسائر الوظائف في الاقتصادات المتقدمة.
وبالمثل فإن التكامل العالمي يعني أن الضائقة التي تمر بها منطقة اليورو تهدد اقتصاد الولايات المتحدة، في حين تهدد المجابهة بشأن سقف الديون في الولايات المتحدة الأسواق المالية في كل مكان.
ورغم هذا فإن العديد من خبراء الاقتصاد لا يقلون عن الناس العاديين تناقضاً وتردداً بشأن القواعد "العالمية". فهم يخشون أن تيسر الهيئات الدولية التي تفتقر إلى الإشراف الديمقراطي للأثرياء والأقوياء إدارة الأمور لصالحهم. في كتابه الصادر في عام 2011 بعنوان "مفارقة العولمة" ينتقد داني رودريك رغبة المتحمسين للعولمة في التحرير الكامل للتجارة الخارجية وتحركات رأس المال؛ ويزعم أنه عندما تتصادم الترتيبات الاجتماعية الراسخة ديمقراطياً مع مطالب العولمة فلابد أن تكون الأسبقية للأولويات الوطنية.
صحيح أن "الحكومة" العالمية من الممكن أن تذهب إلى ما هو أبعد مما ينبغي لها ــــ على سبيل المثال، عندما تتضارب قواعد منظمة التجارة العالمية مع الضمانات البيئية المحلية المعقولة، أو عندما تتسبب شروط صندوق النقد الدولي التي يفرضها على الدول النامية المقترضة منه في تضييق المجال المتاح للإبداع الخلاق في سياسات النمو والحد من الفقر. وصحيح أيضاً أن البلدان التي تعتمد على المساعدات الرسمية وقروض صندوق النقد الدولي من الممكن أن تواجه ضغوطاً لا مبرر لها لتوفيق أوضاعها مع وجهات نظرية خاطئة تتبناها جهات خارجية في التعامل مع السياسات ــــ من فتح أسواق رأس المال قبل الأوان في آسيا في تسعينيات القرن الماضي إلى التقشف المفروض قسراً على اليونان وإسبانيا اليوم.
وأقل وضوحاً من هذا، عندما توفر الحكومات التمويل لصندوق النقد الدولي، فإنها تستطيع أن تمنع المقاومة السياسية المحلية لتقديم المساعدات للدول المتعثرة وللقواعد التي لا تعود بفوائد ملموسة إلا في الأمد البعيد. والواقع أن ترسيخ القواعد العادلة في التجارة والتمويل والتنمية وتغير المناخ وغير ذلك من القضايا في المؤسسات العالمية الكبرى مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي أصبح الآن أكثر أهمية من أي وقت مضى، نظراً لصعود الصين وغيرها من اقتصادات الأسواق الناشئة. ومع سعي هذه القوى الجديدة إلى الحصول على مقعد على الطاولة الجيوسياسية، فسوف يكون بوسعها هي والقوى الأقدم أن تستفيد من الاتفاق المتبادل على "الاحتواء" العالمي لضيق أفقها وقصر نظرها محليا.
وعلاوة على ذلك، من الممكن أن تساعد القواعد العالمية العادلة على إضفاء الطابع الديمقراطي على السوق العالمية، وخاصة إذا كانت راسخة في المؤسسات بدرجة من الاستقلال الذي قد يساعد كبار العاملين من ذوي المهارات المهنية العالية على العمل بقدر من الاستقلال عن الضغوط السياسية القصيرة الأجل. وليس من المستغرب إذن إن تكون الأهداف التي تعود مناهضو العولمة على مهاجمتها من قبل ــــ البنك الدولي، وعلى نحو متزايد صندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية ـــــ أكثر انفتاحاً وشفافية من العديد من البلدان الأعضاء في هذه المؤسسات. وهي توفر بالتالي أداة يستخدمها الناس العاديون للضغط من أجل الفوز بقواعد وسياسات أكثر عدلا، ليس في بلدانهم فحسب بل وأيضاً في بلدان أخرى.
بطبيعة الحال، من غير الممكن على الإطلاق أن تكتسب "حكومة" العالم شرعية ديمقراطية؛ وهي لهذا السبب فكرة مخيفة. ولكن مثلها كمثل اليوتوبيا الاشتراكية أو الليبرالية المحضة، فإن حكومة العالم من الممكن أن تنير مساراً معقولاً لجني الفوائد المترتبة على إيجاد نظام حكم عالمي أكثر فعالية. ونظراً للسوق العالمية التامة الترابط، يتعين علينا أن نخفف من مخاوفنا بشأن خطر القواعد والسياسات السيئة التي تفرضها مؤسسات عالمية ناقصة وغير مثالية وأن نولي قدراً أعظم من الاهتمام للكيفية التي يمكننا بها استغلال إمكانات هذه المؤسسات لترسيخ السياسات الداخلية والخارجية الكفيلة بالحد من المخاطر وتعظيم الفرص من أجل الناس في كل مكان.
( بروجيكت سنديكيت 15/10/2013 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews