الأمن في ألمانيا... تباينات حول استراتيجيات مكافحة الإرهاب
جي بي سي نيوز :- عاد ملف الأمن ليطرح نفسه مجدداً على أولويات العمل الحكومي في ألمانيا، في وقت عقد وزراء داخلية الولايات مؤتمرهم الأخير في مدينة دريسدن، خلال الدورة الحالية لمجلس النواب. ويأتي هذا المؤتمر بعد الأحداث الأمنية التي شهدتها عدة دول أوروبية، خصوصاً بريطانيا، أخيراً، وفي خضم التحضيرات الأمنية والسياسية لاستضافة قمة مجموعة العشرين في مدينة هامبورغ، خلال يوليو/تموز المقبل. ويشكل ملف الأمن الوطني أهم الركائز التي تعمل عليها الأحزاب خلال برامجها وحملاتها للانتخابات التشريعية المقررة في سبتمبر/أيلول المقبل.
وفي هذا الإطار، يجهد وزير الداخلية الألماني، توماس دي ميزيير، لإقناع بعض من وزراء داخلية الولايات بضرورة اعتماد قواعد موحدة على المستوى الاتحادي لمكافحة الإرهاب، مع تشديده على ضرورة التنسيق الملزم وربط الأنظمة المعلوماتية والإلكترونية بشبكة سلطات الأمن المركزية، أي توحيد البنية التحتية لتقنية المعلومات بين الجهات المعنية، فضلاً عن السماح بعمليات التفتيش العشوائي التي تحظى بتأييد بعض الولايات، بينها ولاية بافاريا. وكان وزير الداخلية في حكومة ولاية بافاريا، يواخيم هيرمان، أعلن، أخيراً، أن شرطة الولاية استطاعت، خلال السنوات الأخيرة، الكشف عن 15 ألف جريمة، من خلال المداهمات وعمليات التفتيش العشوائية. ويدافع هيرمان عن اقتراح مراقبة القصر من قبل أجهزة الاستخبارات إذا لزم الأمر، معتبراً أن الأمر بات يشكل ثغرة أمنية أو ضعفا صارخا. وانتقد بعض الولايات، مثل شمال الراين وستفاليا وبريمن وبرلين، لعدم السماح بالمداهمات العشوائية، إذ يقوم عناصر الشرطة بعمليات تفتيش عشوائية ضمن نطاق يمتد على مساحة 30 كيلومتراً داخل الحدود الاتحادية وقرب المطارات ومحطات سكك الحديد والطرق السريعة.
لكن في المقابل، يلقى هذا الأمر رفضاً من بعض الأحزاب، خصوصاً المعارضة، على اعتبار أن ذلك يشكل خطوة ضد اللامركزية الإدارية التي تتميز ألمانيا بها، إلا أنها أبدت رغبة في إيجاد قواسم مشتركة تسمح بزيادة تطوير وتنسيق الجهود، مع الإبقاء على صلاحيات واختصاص شرطة الولايات. وأكد حزب الخضر رفضه عمليات التفتيش العشوائي في جميع الولايات، واصفا هذا الأمر، على لسان القيادية في الحزب، كاترين غورينغ إيكارت، بأنه "استراتيجية تعمية وتبخير" ولإخفاء فشل الوزير، مطالباً بالرضوخ والتقيد بالقوانين الحالية وزيادة التنسيق والتعاون بين الولايات. لكن هذا الأمر لم يقنع دي ميزيير، الذي يطالب بتوسيع صلاحيات الشرطة الاتحادية، بينها المجال الجنائي، لتتمكن من القيام بأوسع عمليات مراقبة للأشخاص الخطرين على أمن الدولة، وتوجيه العمليات لملاحقة المشتبه بهم، واتخاذ التدابير لكشف الهويات المتعددة للاجئين، والتي يعتبرها وزير الداخلية طريقة فعالة وعملية ومنتجة للغاية. إلى ذلك، تقترح بعض الولايات، بينها سكسونيا السفلى، إجراء الحكومة الاتحادية تمارين حماية مدنية مشتركة، ووضع أنظمة حيوية مشتركة للدفاع ضد هجمات قراصنة الكمبيوتر، والقيام بمناورات، على أن تنفذ تدريجياً وبعناية من دون انتظار، تفادياً للأسوأ، انطلاقاً من أن هجمات القراصنة على الشركات الدولية والانتخابات والمؤسسات العامة تثبت أن الأمن مهدد، وبشكل متزايد، من الفضاء الإلكتروني.
ويشدد خبراء أمنيون على أهمية التفاصيل الأمنية الدقيقة المرتبطة بهذه القضايا، ومنها ما إذا كان يجب على المحققين مستقبلاً استخدام عينات من الحمض النووي من اللعاب أو الدم أو الشعر لتحديد المظهر الخارجي وأصل وسن الأشخاص المشتبه بهم، بالإضافة إلى مناقشة ومعرفة الأسباب التي تدعو إلى التطرف بين النساء والقصر، وتقديم سبل الوقاية، والحديث عن مواءمة بين عمل المكتب الاتحادي لحماية الدستور وشرطة الولايات. ويعول الخبراء على نتائج مؤتمر وزراء الداخلية، والمقررات العملية التي يفترض أن تنتج عنه، لكونه الأخير قبل الانتخابات العامة المقررة في الخريف المقبل. ويسعى الوزراء، كل بحسب انتمائه الحزبي، لإظهار براعتهم بابتداع الحلول من أجل الأمن الداخلي، الذي أصبح هاجس المواطن الألماني، مع تمدد الحركات الإسلامية في أوروبا وتنفيذها عددا من العمليات الإرهابية، وازدياد عمليات السطو والسرقة خلال الفترات الماضية، بالإضافة إلى الاهتمام بالأمن الأوروبي بشكل عام، بالإضافة لما ينتج من مخالفات ينسب بعضها إلى اللاجئين الذين وصلوا إلى البلاد خلال الأعوام القليلة الماضية، مع اشتداد الأزمات في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، وإجراء السلطات تعديلات على العقوبات الجنائية لردع هؤلاء، والتي قد تصل إلى حد الترحيل , وفق الخليج اونلاين.
وهناك مطلب يتبناه وزير الداخلية يقوم بالاعتماد على برنامج يسمح بالتعرف على الوجوه من خلال المراقبة بالفيديو عبر محطات القطارات، والتي يمكن استخدامها أيضاً في أماكن أخرى. وأوضح دي ميزيير، في حديث لصحيفة "تاغس شبيغل" أخيراً، أنه سيتم اختبار هذا النظام خلال الصيف في محطات سكك الحديد في برلين. ويقوم النظام بالتعرف على الوجه من خلال كاميرات تصدر صوتاً وإشارات تنذر أجهزة الشرطة بوجود الشخص المشتبه به، أو المطلوب، حال ظهوره في الأماكن التي تتم مراقبتها. وأشار إلى أنه إذا تم تشغيل البرنامج بشكل موثوق، ومن دون عوائق تذكر، مثل فعاليته في الظلام أو إذا كان الشخص غير ظاهر بملامح كاملة، فإنه يمكن بعدها تعقب الإرهابيين والجناة بسهولة، من خلال زرعها في أماكن أخرى. وشدد على أهمية خضوع خدمة البيانات وعمليات البحث عبر الإنترنت ومراقبة مصدر الاتصالات السلكية واللاسلكية، ومنها خدمة "واتسآب"، للمراقبة. في المقابل، يرى خبراء أن على السلطات أن توازن بين الأمن ومكافحة الإرهاب والحرية الشخصية وحقوق الإنسان، ومنها مدة الاحتفاظ بالبيانات التي يجب أن تبقى ضمن نطاقها الضيق والضروري، وأن تتناسب مع نوع الجرم، معتبرين أن المشرع الألماني حقق الكثير في هذه الدورة التشريعية، وأعطى المزيد من الصلاحيات لأجهزة الاستخبارات، على أن يصار مستقبلاً العمل على تسجيل رعايا الدول الثالثة والوصول بشكل مشترك إلى البيانات الحساسة في الاتحاد الأوروبي من خلال استخدام التكنولوجيات الحديثة. ويحرص هؤلاء على التأكيد على ضرورة توخي الحذر في هذه الفترة، مع إلقاء القبض على بعض المشتبه بهم بالتحضير لعمليات إرهابية، من خلال الأمن الاستباقي، في ظل التهديدات الإرهابية ودخول البلاد مرحلة التحضير لقمة مجموعة العشرين، التي ستُعقد في 7 و8 يوليو في مدينة هامبورغ، مشيرين إلى أن البلاد ليست هدفاً بعينه، إنما تبقى جزءًا من الغرب واستهدافها أمر محتمل.
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews