«ليستر الأول».. ملك إنجلترا !
بطل الدورى الانجليزى أصبح الفريق الثانى لجميع عشاق كرة القدم فى العالم ..
هل يكفى أن يشاهد ناقد فيلما سينمائيا ويخرج منه برأى إنطباعى "فيلم جميل ..فيلم سيئ فيلم معجزة"؟!
عندما تولى الإيطالى كلاوديو رانييرى قيادة ليستر سيتى غضب جمهور النادى، واعتبر الرجل دون المستوى ، وفى الوقت نفسه طلب منه مالك ليستر العمل على بقاء الفريق فى البريمير ليج ، وتضمن العقد بعض الشروط ومنها الاستغناء عنه فى حالة هبوط ليستر إلى الدرجة الثانية . وفى المقابل تضمن العقد حصول رانييرى على 100 ألف جنيه أسترلينى عن كل مركز يتقدم إليه الفريق فوق المركز الثامن عشر (سيحصل على مليون و700 ألف جنيه أسترلينى لفوزه باللقب). ويضاف إلى ذلك مبلغ خمسة ملايين جنيه مكافأة البطولة . والطريف أن الإيطالى طلب فى عقده مكافآت إضافية فى حالة التأهل لدورى أبطال أوروبا .. ولاشك أن شروطه التى بدت خيالية بالنسبة لإمكانية تحقيقها قبلها ملاك النادى على أساس أنها " أحلام يقظة " .. فتحققت كل الأحلام..
أصبح ليستر سيتى بطلا متوجا لأصعب بطولة دورى فى العالم، وهى بالنسبة للمدرب الإيطالى أصعب من إحراز كأس العالم على حد قوله. وأصبح ليستر سيتى أيضا الفريق الثانى لملايين المشجعين فى إنجلترا، وفى فرنسا، وفى إيطاليا، وفى الشرق الأوسط، فمن يشجع مانشستر يونايتد يشجع ليستر سيتى بعده . فالناس تحب الاقوياء. والناس تحب أيضا الضعفاء الذين ينافسون الأقوياء . . ولكنه الفريق الأول فى تايلاند باعتبار أن ملاكه من تايلاند والشركة الراعية من أكبر شركات تايلاند «كينج باور»، وهى شركة عملاقة للأسواق الحرة ، تجارة التجزئة، وتمتلك مولات عديدة ( تتوقع الشركة إيرادات بقيمة 100 مليار دولار عام 2016 ) وأنفق مالك النادى خون فيتشاى ملايين الدولارات لبناء الفريق بالاستعانة بالناشئين وأفضل الإداريين والمدربين.
العالم كله لم يكن يصدق إحراز ليستر للقب الإنجليزى، ثم أصبح ينتظر لحظة تتويج الفريق ويتمناه . فهى مكافأة الكفاح والجهاد والبداية من القاع وبأقل النفقات والإمكانات، وقد باتت قصة الفريق، وقصص نجومه معروفة ويراها كثيرون قصة من قصص كرة القدم المجنونة.
قطعا بات معلوما أن قصة ليستر حكاية خيالية . وأنها مفاجأة المفاجأت، وأنه الفريق المتواضع البسيط الذى حقق معجزة . وأن البطولة التى حققها كانت بعيدة جدا عنه . وأن صحف العالم كتبت وقالت عن الفريق مالم تقل به عن أى فريق فى الكرة الأرضية ، حتى إن صحفا إنجليزية وإيطالية وإسبانية اعتبرت أن إنجاز ليستر سيتى يساوى هبوط أول إنسان على سطح القمر . ويساوى إندلاع الحرب بين روسيا وأمريكا .. لكن كيف فاز ليستر، وماذا فعل مدربه الإيطالى رانييرى.. أليس ذلك سؤالا مهما فى الرياضة .. أليس تلك وظيفة الخبراء والمحللين والنقاد.. فهل يكفى أن يشاهد ناقدا فنيا فيلما سينمائيا ويخرج منه برأى إنطباعى فيلم جميل . فيلم سىء . فيلم معجزة ؟!!!
لم يقم رانييرى الذكى باحداث ثورة فى صفوف الجهاز الفنى واهم خطوة قام بها كان احتفاظه بالمسؤول عن التعاقدات ستيف وولش.
واشاد شمايكل بمدربه بقوله "الشيء الأهم والذى يجدر تقديره فى كلاوديو رانييرى بانه لم يقم يتغيير كل شيء.
جاء فوز ليستر سيتى بلقب البريمير ليج ليثير سؤالا قديما فى تاريخ كرة القدم وهو : هل يتحقق الفوز فى كرة القدم بالهجوم أم بالدفاع؟
هو سؤال قديم، ويعكس تسطحا فى تناول فنون وتكتيكات كرة القدم .. وكنت أشرت من قبل إلى أن إيطاليا أحرزت كأس العالم بالدفاع والهجوم المضاد. وهذا الهجوم المضاد شكل تكتيكى من أشكال الهجوم فى اللعبة، وتطبيقه يحتاج إلى لاعبين عندهم قدرات خاصة فى الانتشار وسرعته، فيكون هذا الانتشار إنفجارا مثل شظايا قنبلة. وهكذا فازت الدنمارك على سبيل المثال ببطولة أوروبا عام 192..
وهكذا أيضا بنى رانييرى فريقه على دفاع صلب مع الاعتماد على الهجمات المرتدة مستغلا سرعة محرز وفادري.. اللذين فازا بلقبى أفضل لاعبين فى الدورى الإنجليزى حسب رابطة اللاعبين المحترفين والنقاد الرياضيين.
لقد كان ليسترسيتى إعجوبة البريمير ليج هذا الموسم، فيفوز، ولايخسر وصنع الفريق شعبية وجماهيرية بالأداء المميز الجديد، وبأسماء غير لامعة .. ومن المعروف أن لاعبى ليستر كانوا يذاكرون تكتيكات المباريات على أجهزة التليفون أو الأى باد أثناء إجراء عمليات المساج والإستشفاء ..
وكان دان ألتمان الخبير الإقتصادى خريج جامعة هارفارد طرح سؤالا مهما وهو كيف يمكن هزيمة هذا الفريق؟ وشرح ألتمان وجهة نظره فى مؤتمر التحليلات الرياضية الذى يعقد كل عام فى شهر مارس فى ماساتشوستس. فقال: كلما إرتفع معدل إستحواذ ليستر سيتى على الكرة كلما قلت أهدافه . وأن الفريق يحقق انتصاراته بالهجوم المباشر والسريع والخاطف. ومن العمق. ويرى دان ألتمان أن على الفرق إيقاف ليستر بإجباره على اللعب نحو الجناحين، وحرمان الفريق من الهجوم المباشر من العمق.
ومن جمال كرة القدم أن ترى الفارق بين ليستر وبين برشلونة . فالأول فريق لايحب الإستحواذ ، وليس هدفا فى ذاته . بينما الثانى يكمن سره فى الأستحواذ . ثم الانقضاض . وقد طور برشلونة هذا الإستحواذ فى العامين الأخيرين ، فمن مرحلة دفع الخصم إلى الشعور بالملل ، واليأس لعدم القدرة على إستخلاص الكرة ، إلى مرحلة الإستحواذ ثم الهجوم من ملعبه أو من منتصف الملعب. وجاء هذا التطوير حين إمتلك برشلونة قوة هجومية ضاربة كاملة ، سواريز ، ونيمار، وميسى.. إذ يمتلك برشلونة الكرة كثيرا ويتبادلها ويتناقلها ، ويدخل بها مرمى الخصم بينما يسجل ليستر سيتى هدفا من ثلاث تمريرات، ويعتمد على سرعات لاعبيه. وفى الحالتين تشدك كرة القدم .. تنتظر طويلا هدف برشلونة الذى تتوقعه . ويرضى ذلك غرورك فى صدق التوقع . ولاتتوقع هدفا من ليستر سيتى الذى يهاجم ، بلاتوقف وبلاهوادة، ثم يسجل ، ويمتعك ذلك وتصبح له مشجعا، إعجابا بهذا الإصرار على الفوز.
والواقع أن الهجوم المضاد أو الإنقضاض فى تكتيك ليستر سيتى ليس جديدا أو غريبا فالفريق يدربه إيطالى من مدرسة تلعب بالهجوم المضاد منذ عقود . وهذا طابع لعب أصيل وضارب فى جذور الكرة الإيطالية . وتطبيقه بنجاح يعنى أن يملك المدرب والفريق الأدوات القادرة على التنفيذ .. ثم هناك الروح القتالية عند اللاعبين أو التى تسمى الأن روح ليستر أو روح الإنجليز .. وتلك الروح جعلت مباراة توتنهام وتشيلسى مثلا بمثابة معركة وحرب .. فلا إسترخاء . ولامهادنة ولاتفويت أوتلاعب أو مايسمى تحايلا وتأدبا تعاطف .. فاللعب يجب أن يكون نظيفا ونزيها.
ويبقى أن أكرر أنه لاتوجد ألغاز فى كرة القدم ولايوجد تكتيك لايتغير، وإلا فإنه ليس تكتيكا ، لكن هناك اسلوب لعب. وهذا الإسلوب يتطور وفقا لما يملكه الفريق من عناصر وهذا من أوجه الجمال فى كرة القدم . أن تتنوع أساليب اللعب ، وتتشكل النجوم ، وتتغير السيناريوهات ، والنهايات ، وتعيش فى كل لحظة المفاجأت ..
كلاوديو رانييرى أصبح هو الآخر نجما عالميا ومدربا حكيما، وهو الذى رفع شعار أوباما فى ساحات كرة القدم : «نعم نستطيع». ويخرج بعد كل مباراة ينتصر فيها فريقه والدموع فى عينيه . هو فى غاية السعادة. هو لايصدق تلك السعادة .ويرى أن عليه أن يرتوى من كأس النصر بتمهل ، وأن يحتسيه على مهل ويهضم هذا النجاح، وهو يقول : " كنت أملك شخصيتين داخلى. الأولى لرجل يرغب فى الفوز. فقط الفوز. ولايرضى بغير الفوز. والثانية لرجل هادىء عليه أن يهدىء من حماس لاعبيه ويسيطر عليهم.. وكلنا نعلم المال يصنع الفرق الكبيرة، وأن المال يصنع 99% من البطولات. إننى أعلم ذلك جيدا لأننى كنت هذا الواحد فى المائة الذى لايملك هذا؟!
والآن سيلعب ليستر فى دورى أبطال أوروبا، وسيكرر نجاحات سابقة لفرق أوروبية مثل ديبورتيفو لاكورونا، ومونبيليه، وكاليارى ، وفولسبورج وأتلتيكو مدريد.. إلا أن قصة هذا الفريق باتت حديث كرة القدم العالمية وبكل اللغات، لأن أرض السباق التى يجرى عليها هى الدورى الإنجليزى.. فعلا جميلة كرة القدم أينما لعبت، ومهما كانت.
(المصدر: الاهرام 2016-05-06)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews