ماذا لو أضحى ترامب رئيساً لأمريكا؟
يبدو أن الأمور تتجه نحو سباق بين هيلاري كلينتون ودونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وأن الحزب الجمهوري بدأ يتكيف مع هذه الفكرة، ورغم أن فوز كلينتون هو المرجح فإن تاريخ الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وغيرها، يبرهن بأن المفاجآت تبقى ممكنة، وبالتالي وصول ترامب إلى سدة الرئاسة. ماذا عندئذ؟
برنامج ترامب الانتخابي حافل بالمقترحات السوريالية، التي شكلت صدمة للجميع، وأولهم الحزب الجمهوري نفسه. الصدمة الأولى كانت في إعلانه، الذي كرره في غير خطاب ومناسبة، عن نيته طرد المقيمين غير الشرعيين في الولايات المتحدة، الذين يقدر عددهم ب11 مليوناً، يكلفون الدولة 200 مليار دولار سنوياً، وأنه ينبغي تشكيل قوة خاصة للقيام بهذه المهمة. مناهضوه يعدون تحقيق ذلك من المستحيلات، نظراً لاندماج هؤلاء بين السكان وصعوبة مطاردتهم وإلقاء القبض عليهم ثم نقلهم إلى الحدود.
وعد آخر لترامب شكل صدمة، هو ما أعلنه في ديسمبر/كانون الأول المنصرم عن نيته منع المسلمين من دخول الأراضي الأمريكية بذريعة أنهم إرهابيون في أغلبيتهم، لكن هذا الإجراء هو الآخر مستحيل التنفيذ عملياً وقانونياً، لأنه غير دستوري، ناهيك بأن موجات الاستنكار اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام في العالم أجمع وفي الولايات المتحدة فور تلفظ ترامب بكلامه العنصري.
وإحدى نقاط برنامج ترامب الأساسية هي مطالبته بإقامة جدار عال على طول الحدود مع المكسيك بغية منع المهاجرين المكسيكيين من دخول الأراضي الأمريكية. طول هذا الجدار يبلغ ثلاثة آلاف كم، وبالمقارنة فإن جدار برلين الشهير كان بطول 145 كيلومتراً، وقد تكلف بناؤه أكثر من مئتي مليون دولار في عام 1961. فكم سيكلف بناء جدار ترامب إذا أخذنا بالاعتبار ارتفاع الأسعار والتضخم من ذلك الوقت إلى اليوم، علماً بأن الجدار الذي بناه جورج بوش الابن، عام 2006، كلف أكثر من ملياري دولار ونصف المليار تقريباً ولم يشمل سوى ثلث الحدود مع المكسيك، ولم يكن أكثر من مجرد حائط بحسب تعبير ترامب. تقديرات كلفة جدار هذا الأخير تدور حول 25 مليار دولار مع كلفة صيانة سنوية تتعدى 850مليون دولار، دون أن ننسى حراس هذا الجدار، الذين يبلغ عددهم اليوم 21 ألفاً ينتشرون على طول الحدود مع المكسيك، ويكلفون الخزينة حوالي 1,2 مليار دولار سنوياً.
كذلك وعد الملياردير بإجراء تخفيض هائل على الضرائب، من 25٪ إلى 15٪ على الأفراد ومن 40٪ إلى 25٪ على الشركات. وبحسب الخبراء الاقتصاديين فهذا يمثل وفراً سنوياً قيمته 128 دولاراً لكل فرد من الطبقات الشعبية، وحوالي 275 ألف دولار لكل من الواحد في المئة من الأكثر ثراء، كما وعد بالتخلص من «الاوباماكير» أي التأمين الصحي العام، الذي وضعه الرئيس أوباما.
مع الصين وعد بشن حرب اقتصادية حقيقية، وبإعادة النظر في كل الاتفاقات التجارية معها، وبفرض رسوم تصل إلى 45٪ على الواردات منها ولو خالف ذلك قوانين المنظمة العالمية للتجارة. فدخول الصين في هذه المنظمة، عام 2001، كلف الأمريكيين أكثر من عشر ملايين فرصة عمل. واتهم الصين بالقيام بأكبر عملية احتيال في التاريخ من خلال التلاعب بعمليات الصرف وإبقاء سعر عملتها (اليوان) منخفضاً وحماية أسواقها من البضائع الأجنبية. هذا الوعد يحظى بشعبية كبيرة، لكن الخبراء يعدون أن تحقيقه مستحيل ويكلف المستهلك والاقتصاد الأمريكيين أكثر من قدرتهما على احتماله.
بالنسبة للحرب على «داعش» ينتقد ترامب إدارة أوباما على تقاعسها، ويعد باستخدام القدر الأقصى من القساوة حيال هذا التنظيم، من غير استبعاد السلاح النووي!!!، وبأن يعثر على «الجنرال باتون أو الجنرال ماك آرثر أو أي رجل قوي للإمساك بالجهاز العسكري، وجعله يعمل بطريقة فعالة في الهجوم على «داعش». كما وعد بالتعرض عسكرياً إلى أعضاء عائلات الإرهابيين بغية زرع الرعب في صفوفهم، وهو ما قد يؤدي إلى جرائم حرب في نظر مناهضي ترامب الذين ينتقدون افتقاره إلى أي استراتيجية واضحة، واقتصاره على الخطب الطنانة والشعارات التحريضية.
بالطبع يقدم ترامب وعوداً لن يتمكن من الوفاء بها، لكن الملفت أنه شكل ظاهرة ملفتة في الولايات المتحدة وكشف عن وجود قسم كبير من الرأي العام، في الدولة التي تفاخر بقيمها الديمقراطية، يؤيد طروحات تنتمي إلى العصور الوسطى وتخجل من طرحها أعتى الأنظمة الديكتاتورية. وسواء فاز الرجل أو هزم في الانتخابات، فإن هذه الظاهرة جديرة بالدراسة والتحليل.
(المصدر: الخليج 2016-05-04)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews