لماذا "يوم الأرض"
يوم الأرض يروي أول حدث يوحد الشعب الفلسطيني في فلسطين التاريخية، ذلك اليوم الذي قرر فيه فلسطينو الداخل وللمرة الأولى الانتفاضة ضد قرارات السلطات الإسرائيلية عام 1948، وشارك فلسطينو عام 67 في الاحتجاجات والتظاهر نصرة لأشقائهم في فلسطين 48، وتم تخليد هذا اليوم - والذي يجري في كل الأراضي الفلسطينية، ومخيمات اللجوء بالشتات وفي بعض الدول العربية- لتروي قصة إقامة إسرائيل واستيلائها على الأرض بداية في منطقة عام 1948، وتوسعها لاحقاً لتشمل أراضي الضفة الغربية، نسخة طبق الأصل لما حصل في أراضي 1948، لإقامة حلم إسرائيل الكبرى من البحر حتى النهر، فبعد حرب 1948، استولت إسرائيل على مساحة من الأرض، يزيد عن قرار الأمم المتحدة الذي خصص لها حوالي 54% من مساحة فلسطين التاريخية، على حساب ما قررته الأمم المتحدة لصالح الدولة الفلسطينية، ففي هذه الحرب الصورية، عملت إسرائيل على هدم نحو(500) قرية فلسطينية، وهجّرت أهلها داخل وخارج فلسطين ليصبحوا لاجئين، وفرضت الأحكام العسكرية ونظام التصاريح للتنقل بين منطقة وأخرى، وأعلنت عن مناطق عسكرية مغلقة، كي لا يستطيع أصحاب الأرض والقرى المهدومة العودة إليها، وبدأت بإصدار القوانين، لإعطاء الشرعية لسلبها أراضي الفلسطينيين، ومن هذه القوانين: قانون الحاضر الغائب، وقانون استملاك الأراضي للصالح العام، وقانون أملاك الغائبين، وقانون الإنشاء والتعمير وغيرها، وجميع هذه القوانين لها هدف واحد، وهو الاستيلاء على أراضي الفلسطينيين، وهذه السياسة مستمرة حتى يومنا الحاضر، حتى أن (40) قرية فلسطينية داخل الخط الأخضر، محرومة من خدمات الماء والكهرباء، ومهددة بترحيل أهلها، لإقامة المستوطنات على أراضيها، أما الهجمة الكبرى الحالية فتطال أراضي النقب التي تتجاوز العشر ملايين من الدونمات، الذي يقاوم ويتصارع أهلها وعرب الداخل ضد المخططات الإسرائيلية لها، وما زالت سياسة نهب الأراضي-وبأساليب مختلفة- تجري في الجليل والمثلث إضافة إلى النقب، وحسب الإحصاءات الرسمية، فإن اليهود ومؤسسات الدولة تمتلك "97.5%" من أراضي عام 1948، مقابل "2.5%" تبقت لعرب الداخل، الذين يزيد عددهم عن 20% من مجموع السكان، فجاءت هبة فلسطينيي الداخل عام 1976، لتقول للاحتلال: كفى هذه الهبة التي أطلق عليها "يوم الأرض"، للتصدي للهجمة الإسرائيلية الشرسة لمصادرة الأراضي الفلسطينية، لكن هذه الهبة، لم تقض على عملية المصادرة رغم تراجعها قليلاً.
الهجمة الإسرائيلية على أراضي الضفة الغربية، بدأت منذ حرب 1967، لكن المخططات الإسرائيلية لهذه الحرب، ولاحتلال الضفة، وللمشاريع الإسرائيلية الاستيطانية فيها، كانت معدة منذ حكومة "دافيد بن غوريون"، في سنوات الخمسينات الذي لم يخف أطماعه باحتلال الضفة، وبعد احتلال 1967، باشر الاحتلال في البداية بتجسيد المشروع المعروف الذي يحمل اسم "يغئال الون" وتم إغلاق أراضٍ شاسعة باعتبارها مناطق عسكرية للتدريبات، وأراضي لإقامة معسكرات للجيش عليها، وإقامة مستوطنات أمنية، ومصادرة أراضٍ لإقامة طرق التفافية لهذه المستوطنات، لكن الهجمة الكبيرة على أراضي الضفة، بدأت منذ وصول حزب الليكود للحكم برئاسة "مناحيم بيغن"، عام 1977، فحكومته اتخذت قراراً، بالسماح لليهود بشراء واستملاك الأراضي في الضفة، والاستيلاء على الأراضي بكافة الوسائل والطرق، بما فيها تزوير الوثائق، فقد أقام المستوطنون وبدعم من الإدارة العسكرية المدنية للضفة الغربية، مكتباً خاصاً لتزوير الوثائق، وأقاموا شركة تحمل اسم "الوطن"، التي تملكها جمعية "امناة" الاستيطانية بالتعاون مع بعض العملاء الفلسطينيين الخونة، فالأهداف الإسرائيلية غير مخفية، إذ أن الأساس للحركة الصهيونية، هو الاستيلاء على الأرض، وزرعها بالمهاجرين، حيث تعمل على تهجيرهم من دول العالم، وكان آخرها قبيلة هندية، تدعي أنها من أصول يهودية، والهدف الإسرائيلي وصول عدد سكان إسرائيل إلى (10) ملايين يهودي، كذلك عدم إبقاء أرض لإقامة الدولة الفلسطينية، ويتسلحون بـ "التوراة" المحرفة، ويزعمون أن الله منح أرض فلسطين –كل فلسطين- من البحر حتى النهر ملكاً لليهود، حتى أن إسرائيل مستفيدة من إرهاب "داعش" في تدمير الدول العربية من جهة، وعملياتها في أوروبا لحمل يهود هذه الدول بالهجرة إلى إسرائيل "الآمنة" من الجهة الأخرى، وليس فقط هذا بل هي مستفيدة من الأحداث الأهلية في هذه الدول لتهجير اليهود كما حصل مع يهود اليمن الذين هجرتهم مؤخراً.
سلطات الاحتلال أعلنت عن الأراضي المتاخمة لنهر الأردن-منذ الاحتلال، عام1967- أنها منطقة عسكرية مغلقة، وما يعرف بالأمر العسكري رقم (151)، ووضعت سياجاً على بعد كيلو مترين من النهر، وفي ثمانينات القرن الماضي، قررت الحكومة السماح للمستوطنين بفلاحة هذه الأراضي الشاسعة، مع أن خمسة آلاف دونم منها، مسجلة في سجلات الطابو لأصحابها الفلسطينيين، وفي عام 2013 حولت سلطات الاحتلال هذه الأراضي، لملكية الدائرة الاستيطانية في الوكالة اليهودية، وبعد أن انكشف الموضوع، تقدمت مجموعتان من الفلسطينيين-الذين يملكون هذه الأراضي- إلى المحكمة العليا طالبين استرجاعها، وفي النقاش الذي جرى في شهر نيسان من العام الماضي في المحكمة، أصدر القضاة أمراً احترازياً يطلب من الدولة، إعطاء أسباب لعدم الاستجابة لأصحابها وإرجاع الأراضي، لكن الدولة تماطل ولم ترد حتى اليوم، مع أن مديرة القسم المدني في نيابة الدولة المحامية "لينا البيك" حسب جريدة "هآرتس 10-11-2015"، ومنذ عام 1988، حذرت وزيرا الجيش والعدل، وقائد المنطقة الوسطى العسكري، أن كل المنطقة شرقي الجدار الحدودي بين نهر الأردن والجدار، هي ملكية فلسطينية خاصة، مسجلة في الطابو على أسماء أصحابها الفلسطينيين، وحذرت المسؤولين الإسرائيليين أنها قامت بعمل غير قانوني، وطالبت بإخلاء جميع الأراضي الخاصة شرقي الجدار الحدودي وإعادتها لأصحابها، ورغم ذلك استمرت الإدارة الإسرائيلية منذ عام 1988 بنقل ملكية هذه الأراضي إلى مستوطني الأغوار، فالإدارة المدنية الإسرائيلية في ورطة، فعرضت على أصحابها التعويض أو تأجير أراضيهم إلى الإدارة المدنية، لكن أصحاب الأراضي رفضوا العرض.
هذه نماذج عن استيلاء إسرائيل على الأرض بالإعلان عن مناطق مغلقة، بحجة الأمن، ثم تحويل الأرض لصالح المستوطنين، وتسجيلها كملكية لهم.
حركة السلام الآن الإسرائيلية كشفت بأن أصحاب الأراضي التي أقيم عليها نقطة استيطانية تحمل اسم "ميغرون"، تقدموا بشكوى إلى الشرطة، حول تزييف عقود البيع لأراضيهم من قبل المستوطنين، فوثائق الشراء المزيفة تحمل تاريخ 20-5-2012، بينما صاحبها "يوسف النبوت" توفي عام 2011، أي أن وثيقة بيعها المزورة جرت بعد وفاته، "هآرتس 4-7-2012"، فكافة المستندات المقدمة من قبل مجلس المستوطنات "ييشع"، بخصوص البؤر الاستيطانية مزيفة ولم يقم أصحابها ببيعها .
نماذج تزييف الوثائق من قبل المستوطنين كثيرة، ولا نستطيع سردها في مقال، فهي تحتاج إلى كتاب أسود للتاريخ، ولهذا الواقع، فشركات إسرائيلية متخصصة بالبناء الاستيطاني، متورطة أيضاً بعمليات تحايل وتزوير ملكية أراضٍ فلسطينية ونقلها للإسرائيليين وأغلبية هذه الأراضي تقع في كل من قلقيلية وسلفيت وبيت لحم، نقلت ملكيتها عبر وسائل مشبوهة، تقوم على التزوير والاحتيال، من دون أي سند قانوني، وذلك بالتواطؤ مع جهات في الإدارة المدنية الإسرائيلية، ومن ضمن الأساليب، إمضاء كبار السن على أوراق يجهلون مضمونها، ويتم استغلالهم من قبل العملاء، وفي الغالب تعود ملكية هذه الأراضي لأشخاص إما توفوا، أو مقيمين خارج فلسطين، مما يصعب ملاحقة المزورين، وحسب جريدة "هآرتس 2-2-2016"، فإن (14) صفقة لأراضي في الضفة الغربية، نفذتها شركة "وطن" في قرى رام الله، بوثائق مزيفة، ولم يعد بعض أصحابها على قيد الحياة، حتى أن أراضي وعقارات في حي الشيخ جراح المقدسية، في مهب الريح، فالهجمة تنفذها الجمعيات الاستيطانية، وحكومة الاحتلال، للاستيلاء على الأرض، سواء كان بتزوير الوثائق، أو بالقرارات العسكرية للسيطرة على أراضي وعقارات خاصة المقدسيين متاح.
جريدة "هآرتس 15-7-2013"، كشفت أن المحكمة المركزية في القدس، أقرت بأن عملية الشراء التي قامت بها شركة "وطن"-الذراع الاستثماري للمستوطنين- في قرية عين يبرود بمحافظة رام الله مزورة وباطلة، فالمستوطنون احتلوا البيت الذي يعود لعائلة شحادة" وغيروا أقفاله، وكاتب العدل الإسرائيلي الذي أقر الصفقة، سبق أن أدين بقضايا تزوير وتم سحب رخصته، ويدعى "اسحاق سولومون"، واعتبر قاضي المحكمة في قراره أن الصفقة مزيفة، فالمنازل الذي يدعي المستوطنون شراءها تتم بوثائق مزورة، وهناك تعاون مشترك بين محامين يهود ومسؤولين وعدد من نواب الكنيست والعملاء، في عمليات التزييف، وحسب جريدة "القدس المقدسية 20-3-2013"، فإن الشرطة الفلسطينية في محافظة بيت لحم، قبضت على عصابة متخصصة في تزوير أوراق ملكية الأراضي والمنازل، وتم ضبط صورة عن اتفاقيات البيع، وعلى أختام مزورة لكاتب عدل للتصديق على الوثائق المزورة، كما تم ضبط عدد من الوكالات وأوراق الطابو والمالية، واعترف أحد المقبوض عليهم، بتزوير ما لا يقل عن بيع (13) منزلاً في منطقة القدس، وآخر بتزوير أوراق أكثر من (17) قضية تزوير للأرض، وحسب مدير جهاز الأمن الوقائي العقيد "وجيه الرجوب"، فإن الجهات الفلسطينية المختصة تمكنت من إحباط بيع (12) صفقة أراضي للإسرائيليين في الأشهر الأخيرة، بمساحة (224) دونماً، في محافظة بيت لحم، التي تواجه أكبر هجمة، فيما يتعلق بتزوير الأراضي، وحسب محافظ سلفيت "عصام أبو بكر"، فإن لجنة الدفاع عن الأراضي، أبطلت (10) صفقات عقارية مزورة من قبل الشركات الإسرائيلية، وأن (15) صفقة أخرى بمساحة (855) دونماً في دير بلوط وكفل حارس وكفر الديك، منها أراضٍ تعود ملكيتها للوقف الإسلامي في بلدتي بروقين وكفل حارس لم يسلموا من اعتداءات المستوطنين والسماسرة.
لقد أصدر الرئيس محمود عباس قراراً بتاريخ "20-10-2014"، معدل لقانون العقوبات الأردني رقم (16) لسنة 1960، وعدل بموجبه المادة (114) من القانون، حيث فرض التعديل الأشغال الشاقة المؤبدة على كل من يقوم بتسريب أو تأجير أو بيع الأراضي لدولة معادية أو أحد رعاياها، فيما كانت العقوبة السابقة هي الأشغال المؤقتة، ولو أن القرار جاء متأخراً، فإن الجانب الفلسطيني أخذ يلاحق العملاء ومسربي الأراضي للإسرائيليين، لاتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم، مما دفع بهم للاستنجاد بالسلطات الإسرائيلية، للجوء داخل الخط الأخضر، لكن سلطات الاحتلال لم تستجب حسب "هآرتس 13-1-2016"، سوى إلى (12) عميل، من أصل (358)، فإسرائيل تتخلى عن عملائها سماسرة تزوير ونقل الأراضي، فهل يكون ذلك عبرة للآخرين؟
وأخيراً .. هذه هي قصة "يوم الأرض" الذي يحتفل بذكراه سنوياً، والذي يشكل قصة إقامة إسرائيل بالاعتماد على الوثائق المزيفة، وسلب الأراضي، ولعل هذا الموضوع يجري تدريسه في المدارس الفلسطينية والعربية على حد سواء.
(جي بي سي نيوز 2016-04-05)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews