عن نتنياهو وحكومته الرابعة
في الأسابيع التي سبقت انتخابات الكنيست 2015، كانت كل الاستطلاعات والتوقعات والتحليلات «الإسرائيلية» تتحدث عن سقوط مدو لبنيامين نتنياهو، زعيم (الليكود) الذي باختياره قرر أن ينهي حياة حكومته الثالثة. لكن نتيجة التصويت كذبت كل تلك الاستطلاعات والتوقعات والتحليلات، وأظهرت أن نتنياهو كان يعرف ما يقدم عليه عندما قرر إجراء الانتخابات المبكرة، بالرغم من أن البعض رأى أن لجوء نتنياهو إلى التحريض العنصري على العرب وتخويف الناخبين «الإسرائيليين» مما قد ينتج عن فوز كبير ل«القائمة المشتركة» العربية هو الذي كان السبب في فوزه الكبير الذي تحقق. وحتى لو كان ذلك صحيحاً، فإنه يظل إحدى «آليات» الحملة الانتخابية التي أوصلت المرشح نتنياهو إلى ما يريد.
بعد المفاجأة الكبيرة التي حققها نتنياهو في الانتخابات، وتشكيل حكومته الرابعة التي جاءت «الأكثر يمينية» في تاريخ الكيان، بدا الأمر بسرعة وكأن «الملك» الجديد يغذّ السير إلى السقوط في الهاوية. لكن السنة المنصرمة أظهرت أنه لا يوجد من ينازع نتنياهو على رئاسة الحكومة، رغم ما تظهره الاستطلاعات الجديدة من تراجع لشعبية حزبه وعدم الرضا عن سياساته (في اليمين والوسط وما يسمى اليسار)، كما أظهرت أن «ائتلافه اليميني» ثابت ومستمر رغم التباينات في صفوفه وبين زعمائه. في الوقت نفسه، أظهرت السنة المنصرمة أن السياسات «الإسرائيلية» تتقدم في مسار أكثر فاشية وأكثر عنصرية وأكثر توسعية، ولعل هذا المسار نفسه هو سر قوة نتنياهو وتماسك ائتلافه.
وفي آخر استطلاع أجرته ونشرته صحيفة (معاريف- 18/3/2016)، تأكدت مقولة أنه ليس من ينازع نتنياهو لتشكيل أية حكومة جديدة، الآن أو في المدى المنظور، فهو المفضل لدى الجمهور «الإسرائيلي» حيث حصل على 47% من أصوات المستطلعين مقابل 36% لأقوى المنافسين المحتملين، وهو يائير لبيد زعيم حزب (هناك مستقبل). أما مقابل اسحق هيرتزوغ (زعيم المعسكر الصهيوني) زعيم المعارضة، فحصل على 56% مقابل 25% لهيرتزوغ، والفرق بينهما يشير إلى ما يشبه استحالة أن تتفوق المعارضة عليه، يحدث ذلك في وقت أظهر فيه هذا الاستطلاع تراجع مقاعد حزب (الليكود) الذي يتزعمه نتنياهو من 30 مقعداً إلى 26 مقعداً، وهذا مؤشر آخر على أن نتنياهو أصبح ملك «إسرائيل»» بحق، وهو يتجاوز حزبه من حيث شعبيته، وفي هذا الصدد، كتب شموئيل روزنبرغ قبل شهرين من حلول الذكرى السنوية لتشكيل الحكومة، في صحيفة (معاريف-(14/1/2016)، يقول: إنه من الصعب على أي زعيم «إسرائيلي» أن ينتصر على نتنياهو، سواء من داخل حزبه، أو من الأحزاب الأخرى، وهذا ما أوصل روزنبرغ إلى أن يستنتج: «يبدو صعباً على المعارضة أن تنتصر على نتنياهو، ولعله ينقصها المرشح الصحيح. لكن المعقول أكثر أنه ينقصها الفكر الصحيح»، ويضيف: «نتنياهو ينتصر لأن الجمهور يتفق معه، ضمن أمور أخرى».
وبمرور سنة على تشكيل نتنياهو لحكومته الرابعة، نشرت تقييمات لأداء هذه الحكومة في الصحافة «الإسرائيلية»، أظهرت أن اليمين غير راض عن نتنياهو لأنه يراه «لا يطبق برنامجه»، أو يطبقه بشكل بطيء، و«اليسار»، أيضاً، غير راض عن سياساته فمرة يزاود عليه وأخرى يناقص عليه، ما يظهر بجلاء ارتباك وضياع هذا «اليسار» المزعوم. وعلى سبيل المثال، وفي مقال كتبه نداف هعتسبي (يميني)، ونشرته صحيفة (معاريف- 17/3/2016)، جاء قوله: «إنه بعد سنة لم تنجح حكومة نتنياهو في تحقيق أي شيء جوهري يتطابق مع فكرها»، ويضيف: «وهكذا كل شيء حتى الآن هو كلام في كلام. وعليه، فإن الحكومة الأكثر يمينية توجد الآن على مفرق طرق حرج. وهو يرى «معضلتها بسيطة: فإما أن تحكم على طريقتها، وإما أن تكف عن الوجود»!!
لكن معلقاً كبيراً في صحيفة (يديعوت- 14/3/2016)، هو ناحوم برنياع، يرى أن حكومة نتنياهو أوقعت الكيان في عزلة لأنها اعتمدت في تعاطيها مع التحديات التي تواجهها على القوة وأسقطت "القيم" التي قام عليها الكيان، في زعمه، فيقول: ««إسرائيل» قوتها في القوة العسكرية والتكنولوجية، وفي استقرارها الاقتصادي والسياسي، لكن قيمها صارت تنزع إلى القوة، قومية متطرفة. ومثلما تثبت الاستطلاعات الأخيرة أيضاً، فإنها تمقت الديمقراطية، ومصابة بالعنصرية»!!
لكن أمير أورن، في (هآرتس- 15/3/2016)، رأى أنه ليس لدى نتنياهو سياسات بالمعنى المفهوم، فقد اختصر نتنياهو سياسات حكومته الرابعة في كلمة واحدة، هي كلمة «المزيد»: «كلمة المزيد هي التعبير الأفضل لنوايا وحلم نتنياهو، هي البرنامج الوحيد له. المزيد من الشيء ذاته، المزيد من السنوات في الحكم، المزيد من المستوطنات، المزيد من النزيف، المزيد من معارضة الحل الوسط الذي قد يضع حداً للصراع». بالطبع نحن لا نتفق مع أورن في كل ما ذهب إليه. نتنياهو يريد البقاء في رئاسة الحكومة أطول وقت ممكن، وهو يريد مزيداً من المستوطنات والأرض والتوسع. لكن له سياسة وإيديولوجيا و«حلم»، إنه ما زال يمثل نظرية «أرض «إسرائيل» الكبرى»، وحد حلمه الأدنى فلسطين التاريخية، وما يفعله يخدم هذا «الحلم»، وهو يرفض «الحل الوسط» لأنه يتعارض مع هذا «الحلم» بالتحديد.
الأهم في سياسات نتنياهو، من خلال حكومته الرابعة، هو أنها تتقدم نحو المزيد من العنصرية ونظام الفصل العنصري، من خلال القوانين والتشريعات والإجراءات الفاشية والاستيطانية والقمعية، وكلها تلغي أي هامش لأي تفكير بحل سياسي سلمي لقضية الشعب الفلسطيني، وحقه في تقرير مصيره.
(المصدر: الخليج 2016-03-24)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews