نظام بشار وراء إخفاق (جنيف 3 )
لم يكن قرار ستيفان دي ميستورا المبعوث الخاص للأمم المتحدة لسوريا يوم الأربعاء الماضي. بتعليق الجولة الثالثة من مفاوضات جنيف بين ممثلي النظام في دمشق والمعارضة مفاجئا. بل كان ضمن التوقعات المطروحة لاسيَّما في ظل تمسك كل من طرفي الأزمة السورية بمواقفهما. خلال اللقاءات التمهيدية التي كان من المفترض أن تقود إلى الانخراط في مفاوضات جادة. سعيا لبلورة حل سياسي بات مطلوبا بإلحاح للأزمة المشتعلة منذ ما يقرب من خمس سنوات، وأفضت إلى تداعيات شديدة السلبية على الأرض متمثلة في مقتل نحو 300 ألف مواطن. وإصابة حوالي نصف مليون آخرين. فضلا عن لجوء ونزوح الملايين إلى الخارج والداخل في عملية تهجير قسرية، جردت البلاد من أكثر من نصف سكانها.
ولاشك أنه سيكون لهذا التعليق - وهو التعبير المهذب لوقف المفاوضات - بعض المردود السلبي على مسارات الأزمة السورية، خاصة على الصعيد الإقليمي في ظل التناقضات الحادة في مواقف الأطراف المعنية بهذه الأزمة في المنطقة، والتي قد تنزع إلى تبني مواقف تتجاوز الإطار السياسي المطروح إلى الدخول في منحى عسكري بشكل أو بآخر، وهو ما تجلى في تصريحات للعميد أحمد العسيري مستشار وزير الدفاع السعودي يوم الخميس الماضي، بشأن استعداد بلاده للمشاركة في أي عمل عسكري بري في سوريا، محددا الهدف من وراء ذلك بمحاربة تنظيم داعش ونافيا في الوقت ذاته وجود أي خطط لتوسيع مهام أي تدخل بري محتمل خارج محاربة التنظيم الإرهابي. كما تحدثت تقاير استخباراتية روسية عن مخطط لتركيا لغزو سوريا وهو ما نفته أنقرة.
وأيا كان الأمر فإن هذه المعطيات تعكس حالة من الغضب المكتوم، نتيجة تمسك نظام بشار الأسد بطروحاته الرامية إلى إبقاء هيمنته كقوة وحيدة في سوريا. وتشديد منهجية الإقصاء للمعارضة لاسيَّما التي توصف بالمعتدلة والتي تحظى بقبول إقليمي ودولي واسع. متكئا في ذلك على الإسناد اللوجستي القوي الذي بات يوفره التدخل العسكري المباشر. إلى جانب إيران وميليشيات شيعية من لبنان والعراق وأفغانستان وباكستان.
واللافت أن كلا من النظام السوري أو الطيران الروسي لم يتوقف على مدى الأيام التي أعقبت بدء الجولة الجديدة لجنيف 3 عن توجيه الضربات الجوية والقصف المتواصل لمواقع المعارضة المسلحة. ربما لدفعها إلى تليين مواقف وفدها السياسي في جنيف وهو ما لم يتحقق بل صمد ممثلو الوفد المعارض حتى تجاه الضغوط الغربية التي أخذت شكل تطمينات. لكنها كانت تدرك عدم جدواها في ظل ما يحققه الفعل العسكري المتصاعد للنظام سعيا الحصول على مكاسب على الأرض بالذات في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة.
لقد سادت أوساط الجامعة العربية التي أعلنت تأييدها ومساندتها بقوة لانطلاق "جنيف 3 "، سواء على لسان أمينها العام الدكتور نبيل العربي أو نائبه السفير أحمد بن حلي حالة من الوجوم بعد الإعلان عن قرار تعليق المفاوضات. محذرة من إمكانية أن يقود هذا القرار إلى تعطيل المسار السياسي والذي حظي بفرصة تاريخية. عقب البيانات التي صدرت عن اجتماعات المجموعة الدولية المعنية بالأزمة في العاصمة النمساوية - فيينا - ثم قرار مجلس الأمن الذي صدر في الثامن عشر من ديسمبر الماضي، والذي حدد خارطة طريق في هذا الاتجاه تبدأ بمفاوضات بين النظام والمعارضة، وعلى وقف لإطلاق النار وتشكيل حكومة انتقالية في غضون ستة أشهر وتنظيم انتخابات برلمانية ورئاسية خلال 18 شهرا.
وفي هذا السياق فإن الدكتور نبيل العربي وضع جملة من المحددات للتعامل مع المسار السوري بعد قرار تعليق المفاوضات خلال مداخلته أمام مؤتمر دعم سوريا والمنطقة 2016 يوم الخميس الماضي يمكن تلخيصها فيما يلي:
أولا: ضرورة استئناف المفاوضات بين أطراف الأزمة السورية في جنيف في أقرب وقت، فلا أحد يملك رفاهية تبديد الفرصة المتاحة لإقرار الحل السياسي للأزمة السورية، والمجتمع الدولي بكل هيئاته، خاصة مجلس الأمن، يتحمل مسؤولية كبرى إذا فشل في إنهاء المأساة السورية.
ثانيا: من الأهمية بمكان أن يتزامن انطلاق مسار المفاوضات لتشكيل هيئة الحكم الانتقالي ذات الصلاحية التنفيذية الكاملة مع إقرار الوقف الدائم لإطلاق النار في جميع أنحاء سوريا، وهنا فإن النظام السوري يتحمل المسؤولية عن استمرار القصف العشوائي على السكان المدنيين، وعن عدم وصول المساعدات الإنسانية للمناطق المحاصرة وهو ما يعتبر جرائم ضد الإنسانية، وهذه الجرائم لا تسقط بالتقادم.
ثالثا: ضرورة الإسراع باتخاذ خطوات عاجلة من أجل تحسين الأوضاع الإنسانية القاسية للاجئين والنازحين السوريين، وكذلك من أجل توفير الدعم اللازم للدول المضيفة لهؤلاء اللاجئين في الجوار السوري، خاصة في الأردن ولبنان، وكلاهما يتحمل عبئاً كبيراً يفوق قدراتهما في مواجهة الاحتياجات الأساسية العاجلة لتأمين الحياة الكريمة لهؤلاء اللاجئين، إلى جانب ما تقدمه مصر والعراق وعدة دول عربية أخرى.
(المصدر: الشرق القطرية 2016-02-08)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews