Date : 19,01,2025, Time : 03:43:08 PM
11678 : عدد القراء حاليا
حالة الطقس
°C
Amman,Jordan
13
اليوم
العليا 22° الدنيا 12°
غداً
العليا 18° الدنيا 12°
أرسل خبر
آخر تحديث: الثلاثاء 01 رمضان 1434هـ - 09 يوليو 2013م 03:35 ص

الفتنة المصرية: ليته كان انقلابا وليت أمريكا كانت ضالعة

الفتنة المصرية: ليته كان انقلابا وليت أمريكا كانت ضالعة
د. عبدالوهاب الأفندي

فيما يدور السجال حول ما إذا كان ما شهدته مصر عشية الرابع من يوليو (ذكرى الاستقلال الأمريكي) ثورة شعبية ضد الاستبداد ‘الإخواني’، أم انقلاباً عسكرياً على الشرعية، فإن الأنباء السيئة هي أن المسألة لم تكن انقلاباً عسكرياً، وإنما ما هو أسوأ من ذلك. فما وقع لم يكن تسلماً للسلطة من قبل الجيش، وإنما لعب الجيش دور المحلل لإعادة السلطة إلى أجهزة مخابرات مبارك التي كانت الحاكم الفعلي للبلاد في عهده ثم إلى حد كبير في عهد مرسي.

وفي حقيقة الأمر فإن كل ما يسمى بالانقلابات العسكرية لا تعني أبداً تولي الجيش للسلطة، بل بالعكس فإن أول مهام الانقلابات العسكرية تكون إخصاء الجيش وإخضاعه للجهة التي تتولى السلطة تحت عباءته. فالأنظمة ‘العسكرية’ تخشى أكثر ما تخشى الجيش، وتعتبره عدوها الأول. ولهذا فإنها تخترقه بالجواسيس، وتعهد بمواقعه القيادية إلى شخصيات تفتقد الأهلية، ولكنها تدين بالولاء للفئة الحاكمة تحديداً لأنها تفتقد الأهلية وتعلم أن البقاء في موقعها رهن بإرادة الحكام. ولهذا تبقى هذه الأنظمة في حالة حرب دائمة مع الجيش، وتجهد في القضاء على كل توجه مهني في داخله.

ولعله لم يتحقق نجاح في إخضاع جيش وتحويله إلى هيكل فارغ كما حدث في مصر. ففي عهد عبدالناصر، حين تولى السلطة ضباط برتبة العقيد وما دونها (باستثناء محمد نجيب الذي لم يكن سوى واجهة) كانت البداية بانتهاك هرمية القوات المسلحة وإخضاع كبار الضباط إلى مرؤوسيهم. وفي نهاية المطاف تحول الجيش إلى ما يشبه ضيعة خاصة بيد عبدالحكيم عامر، وكان ما كان. أما في حقبتي السادات ومبارك، فقد تحول الجيش إلى دكان لكبار الضباط، فانشغلوا بالبيزنس والتجارة عن كل مكرمة ومهمة عسكرية. وفي ظل اتفاقية كامب دايفيد التي جعلت الحفاظ على أمن إسرائيل (لا أمن مصر) هي مهمة النظام الأساسية، فإن كل الجهود اتجهت إلى مواجهة ‘الأخطار الداخلية’. ولأن هذه أساساً هي مهمة المخابرات، فقد أخضع الجيش بالكامل للمخابرات.

وقد يحتاج العالم في وقت ما إلى دراسة متعمقة لرد فعل الجيش المصري إزاء انتفاضة 25 يناير 2011، ولكن كل الدلائل تشير إلى الجيش ظل حتى آخر لحظة في حالة خضوع كامل للنظام وجهاز مخابراته حتى انهار كل شيء فورثه في صمت. فخلال اللحظات الحرجة، كان الجيش يقف مع النظام، ولم يجرؤ صوت داخله على الارتفاع محتجاً على قتل المتظاهرين أو التنكيل بالمواطنين. بل بالعكس، روى كثير من الصحافيين الأجانب أن قوات الجيش كانت تعتقلهم ثم تسلمهم للمخابرات. وقد كان لعب الجيش أدواراً محورية في محاولات النظام المتعددة لإفشال الثورة، بما في ذلك الإشراف غير المباشر على ‘موقعة الجمل’ الشهيرة التي تمت تحت بصر وسمع قوات الجيش التي حاصرت ميدان التحرير وتولت حماية مداخله.

مهما يكن فإن الجيش المصري ظل خاضعاً تماماً للسلطات الاستبدادية في مصر، وإن فترة مرسي القصيرة التي حصل فيها الجيش على استقلال مؤقت، قد انتهت الآن، مع عودة النظام القديم وأجهزته السرية إلى السلطة. ولهذا النظام وجوه سياسية وإعلامية معروفة، عادت اليوم إلى الواجهة بشعاراتها المعروفة، وله أدوات قمعية عادت إلى العمل بكامل أهبتها كما ظهر من سلسلة الاعتقالات في حق إسلاميين دأب نظام مبارك على ملاحقتهم. وقد اختفى تماماً الفرق بين ما يسمى بالقوات النظامية وما كان يعرف بالبلطجية من أنصار النظام السابق، حيث كشفت المجازر الأخيرة سفور البلطجة بالزي العسكري الرسمي. ولهذا نقول أنه لو كان ما وقع في مصر انقلاباً عسكرياً لربما كان الأمر أهون، ولكنه للأسف عودة إلى الجيش إلى نفس الدور الذي كان يلعبه أيام مبارك، حين كان يتولى حراسة فساد المفسدين وجرائم المجرمين لقاء أجر معلوم لكبار قياداته.

المفارقة تكمن في أن فرقاء النزاع السياسي القائم في مصر يتناوبون في اتهام الخارج ولوم الآخرين على محنتهم. فقد كان خصوم مرسي يتهمون قطر وحماس والولايات المتحدة بدعم مرسي (ولا شك أن هذا يعتبر أول تحالف بين حماس والإدارة الأمريكية إن صحت التهمة، وهو خبر يجب ان تسير به الركبان). أما أنصار مرسي فدأبوا على اتهام الإمارات والسعودية وكذلك أمريكا بالوقوف وراء التحركات ضده. ولا شك أن هذا الإجماع على اتهام أمريكا يمثل شهادة براءة في حقها، لأن الولايات المتحدة لو كانت دعمت مرسي وخصومه في نفس الوقت فإن محصلة جهودها لا بد أن تكون صفراً.

ولعلها مصادفة ذات مغزى أننا قرأنا على صفحات ‘القدس العربي’ (وهي حقاً صحيفة التعددية في الآراء) في يوم واحد (في عدد السبت الماضي) رؤيتين متناقضتين للدور الأمريكي في مصر. ففي عمود ‘هواء طلق’ لام عزت القمحاوي الأمريكان على أنهم كما قال: رتبوا ‘المؤامرات لإهدائه (يعني الربيع العربي) إلى قوى أقل جدارة بالحكم من القوى الساقطة، ثم استراحوا إلى ما رتبوه.’ وبحسب هذا الرأي، وهو موقف يؤيده مصريون كثر على ما يبدو، فإن الولايات المتحدة هي التي نصبت مرسي رئيساً (وليس الشعب المصري الذي انتخبه على مرأى ومسمع من العالم كله). ويرى هؤلاء كذلك في اعتراض الولايات المتحدة على الانقلاب العسكري تأييداً للإخوان، وليس موقفاً معروفاً من الإدارة الأمريكية تجاه أي انقلاب عسكري، وهو موقف مؤسس له في القانون الأمريكي الذي يقضي بقطع المعونات عن أي نظام انقلابي ما لم يتقدم الرئيس بحجج قوية تؤكد أن الأمن القومي يفرض استثناءً.

ولكن في نفس عدد ‘القدس العربي’ نطالع رأياً مصرياً آخر، هذه المرة للزميل سليم عزوز في عموده الممتع غاية الامتاع، حيث أسعفنا باعتراف من البرادعي شخصياً بأنه ‘بذل جهداً عظيماً من أجل إقناع الغرب بالانقلاب على الرئيس محمد مرسي، وأن هذا تم منذ ستة شهور، والمعنى أن النية كانت مبيتة، وأن الاحتشاد الجماهيري، والرضوخ لمطالب الشعب الرافض لوجود الرئيس مرسي هو الغطاء لما بذل فيه البرادعي جهداً لإقناع الغرب به’.

ورغم أن الاعتراف سيد الأدلة إلى أنني لا أميل إلى تصديق دعاوى البرادعي بأنه ‘أقنع الغرب’ بضرورة الانقلاب على مرسي، لسبب بسيط، هو أنه لا يوجد ‘غرب’ واحد حتى يستطيع البرادعي (الموظف الدولي السابق والمفترض فيه أن يكون أقل سذاجة من ذلك) إقناعه أو لا يستطيع. وحتى في كل دولة غربية، هناك مراكز قوى كثيرة لا يستطيع كثير من المحاورين الوصول إليها. ففي واشنطن لوبيات صهيونية ومراكز قوى اقتصادية توجست منذ اليوم الأول من الديمقراطيات العربية الوليدة، وذعرت عندما تولى الإسلاميون السلطة. ولكن الإدارات الغربية رضخت مكرهة لهذه الإرادات الشعبية، ولو لم تفعل لاتهمها الخصوم بالنفاق. ومهما يكن فإن مرسي لم يتول السلطة في مصر باعتباره صاحب ‘مشروع إسلامي’، وإنما كان ينادي مثل غيره بالديمقراطية، وكان كلما اختلف مع خصومه في أمر احتكم إلى صناديق الاقتراع. وقد انصاع مرسي لكل الأحكام القضائية التي صدرت ضده، والتزم كل قواعد الديمقراطية، فلم يعتقل خصومه، ولم يغلق القنوات الفضائية. وإذا كان خصومه اتهموه بفتح بلاغات ضد منتقديه فإن هذا لا يعتبر تسلطاً، لأن من حق أي مواطن مصري فتح بلاغ، ويبقى الحكم في نهاية المطاف للقضاء.

مهما يكن فإن الغرب لم يكن هو الذي نظم الانتخابات التي فاز فيها مرسي، كما أن الغرب لم يكن هو الذي دبر الانقلاب الذي أسقطه. فالصراع الدائر هو صراع بين المصريين. وعندما يلقي البعض باللوم على أمريكا أو غيرها، فإن هذا يعتبر توسلاً غير مباشر من قبل هذه الأطراف للخارج لكي يحارب معاركهم نيابة عنهم. فهم يريدون من أوباما أن يقود المظاهرات في ميدان التحرير ضد مرسي، أو أن يرسل المارينز لاعتقال السيسي وتسليمه لمحكمة الجنايات الدولية. وكل هذا من قبيل الهوس والأوهام. فلدى أوباما وغيره مشاغل أخرى غير شجارات المصريين. وما نسمعه من أساطير حول هذا الدور الأمريكي أو ذاك هي إحدى أهم أعراض مرض عربي مستعص، وتعبير عن العجز والاتكالية وعدم الثقة في النفس.

ونحن نطمئن مع ذلك الإخوة الأعزاء أن إسرائيل، وهي أهم من أمريكا، تحب البرادعي (وعمر موسى كذلك) وتكره مرسي. وأن قلبها معهم وسيوفها إذا اقتضى الأمر. ولكن الفشل في هذه المسألة ليس فشل مرسي أو فشل امريكا وإسرائيل، وإنما فشل الأنظمة التي حظرت حركة الإخوان وحاربتها ستين عاماً، ثم إذا بها تستيقظ فتجد الإخوان يحكمون مصر. ولا شك أن عودة النظام القديم بسجونه ومخابراته لن تحل مشكلة الإخوان، بل إن التدخل العسكري الأخير ساعد الإخوان وغطى على فشل مرسي الذريع.

بعض المنتقدين ادعى أن المشكلة في مصر والعالم العربي هي أن الليبراليين غير ديمقراطيين والإسلاميين غير ليبراليين. ولكن من الواضح أن مصر كانت أكثر ديمقراطية وليبرالية في عهد مرسي منها في العهد ‘الليبرالي’ الحالي، الذي يبدو أنه يخشى حرية التعبير كما يخشى الديمقراطية. ولعلها مفارقة أن بعض أنصار الانقلاب أصبحوا يتحدثون ـ مثل إخوانهم في سوريا- عن ‘مؤامرة كونية’ تشترك فيها الجزيرة وسي إن إن والبي بي سي وأمريكا وقطر. ولكن الفرق هو أن النظام السوري (ومعه السعودية والإمارات وإسرائيل، وبالطبع قناة العربية) رأوا في الانقلاب نصراً لتيارهم، الذي هو بلا شك تيار الليبرالية والديمقراطية الأول في العالم.

( المصدر : القدس العربي )




مواضيع ساخنة اخرى

استـ خبارات روسيا: النـ اتو هو من يقود الهجـ مات المضادة وليس الجيش الأوكـ راني
استـ خبارات روسيا: النـ اتو هو من يقود الهجـ مات المضادة وليس الجيش الأوكـ راني
شاهد تركيا يقـ تل حماه بالرصـ اص ثم يـ صرع طليقته في وضح النهار
شاهد تركيا يقـ تل حماه بالرصـ اص ثم يـ صرع طليقته في وضح النهار
إيطاليا تقهر هولندا وتخطف برونزية دوري الأمم
إيطاليا تقهر هولندا وتخطف برونزية دوري الأمم
السعودية: الثلاثاء 27 حزيران وقفة عرفة والأربعاء عيد الأضحى
السعودية: الثلاثاء 27 حزيران وقفة عرفة والأربعاء عيد الأضحى
رسميا.. أول مرشح يعلن خوض انتخابات الرئاسة في مصر
رسميا.. أول مرشح يعلن خوض انتخابات الرئاسة في مصر
واشنطن : إصابة 22 عسكريا في حادث تعرضت له هليكوبتر بشمال شرق سوريا
واشنطن : إصابة 22 عسكريا في حادث تعرضت له هليكوبتر بشمال شرق سوريا
هنا الزاهد تصدم جمهورها بصورة لها قبل عمليات التجميل!
هنا الزاهد تصدم جمهورها بصورة لها قبل عمليات التجميل!
جديد صاحبة الفيديو المشين لطفليها.. تورط ابنها وزوجها الثاني في المصر
جديد صاحبة الفيديو المشين لطفليها.. تورط ابنها وزوجها الثاني في المصر
سماع دوي انفجار في العاصمة الأمريكية واشنطن (فيديو)
سماع دوي انفجار في العاصمة الأمريكية واشنطن (فيديو)
البنتاغون يندد بتصرفات الصين "الخطرة" في آسيا
البنتاغون يندد بتصرفات الصين "الخطرة" في آسيا
78 زعيما دوليا يشاركون في مراسم تنصيب أردوغان السبت
78 زعيما دوليا يشاركون في مراسم تنصيب أردوغان السبت
أوغندا تقر قانونا يجرم المثلية الجنسية وبايدن غاضب ويهدد بقطع المساعدات
أوغندا تقر قانونا يجرم المثلية الجنسية وبايدن غاضب ويهدد بقطع المساعدات
لبنان.. اختطاف مواطن سعودي في بيروت
لبنان.. اختطاف مواطن سعودي في بيروت
السودان.. اشتباكات كثيفة في الخرطوم قبيل انتهاء الهدنة
السودان.. اشتباكات كثيفة في الخرطوم قبيل انتهاء الهدنة
رغم انتصاره الكبير في باخموت.. قائد فاغنر يحذر من تبعات خطير
رغم انتصاره الكبير في باخموت.. قائد فاغنر يحذر من تبعات خطير
الضفة: إصابات بينها برصاص الاحتلال وهجوم للمستوطنين على فلسطينيين
الضفة: إصابات بينها برصاص الاحتلال وهجوم للمستوطنين على فلسطينيين
  • لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :

اضف تعليق

يمكنك أيضا قراءة X


اقرأ المزيد